وأقبل عالم النصارى وقد شدّ حاجبيه بحريرة صفراء ، فقام إليه جميع القسّيسين والرّهبان يحيّونه وجاءوا به إلى صدر المجلس فقعد فيه وأحاط به أصحابه ، فأدار نظره فرآنا فقال لأبي : أمِنّا؟ أم من الامّة المرحومة؟ فقال أبي : بل من هذه الامّة المرحومة. فقال : من أيّهم أنت من علمائها أم من جهّالها؟ فقال أبي : لست من جُهّالها! فقال : أسألك؟ فقال أبي : سل.
فقال : من أين ادّعيتم أنّ أهل الجنّة يطعمون ويشربون ولا يُحدثون ولا يبولون؟! وما الدليل والشاهد على ما تدّعونه من شاهد لا يُجهل؟
فقال أبي : دليل ما ندّعي من شاهد لا يُجهل : الجنين في بطن أُمّه يطعم ولا يحدث!
فاضطرب النصراني اضطراباً شديداً وقال : هلّا زعمت أنك لست من علمائها؟ قال : بل لست من جهّالها. وأصحاب هشام يسمعون ذلك. فقال : أسألك عن مسألة أُخرى؟ قال أبي : سل.
فقال : من أين ادّعيتم أنّ فاكهة الجنّة أبداً غضّة طريّة موجودة غير معدومة عند جميع أهل الجنة؟ وما الدليل عليه من شاهد لا يُجهل؟
فقال أبي : دليل ما ندّعي : أنّ ترابنا أبداً يكون غضّاً طريّاً موجوداً غير معدوم عند جميع أهل الدينا.
فاضطرب اضطراباً شديداً وقال : هلّا زعمت أنّك لست من علمائها؟ قال : بل لست من جُهالها. فقال : أسألك عن مسألة أُخرى؟ قال : سل.
فقال : أخبرني عن ساعة لا هي من ساعات الليل ولا هي من ساعات النهار؟
فقال أبي : هي ساعة ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، يفيق فيها المغمى عليه ، ويرقد فيها الساهر ويهدأ فيها المبتلى .. فصاح النصراني : والله لأسألك عن مسألة لا تهتدي إلى الجواب عنها أبداً! قال أبي : سل.