يا عمران ؛ واعلم أنّه لو كان خلق ما خلق لحاجة ؛ لم يخلق إلّامن يستعين به على حاجته ، ولكان ينبغي أن يخلق أضعاف ما خلق ؛ لأنّ الأعوان كلما كثروا كان صاحبهم أقوى. والحاجة ـ يا عمران ـ لا يسعها ، لأنه كان لم يحدث من الخلق شيئاً إلّاحدثت فيه حاجة أُخرى. ولذلك أقول : لم يخلق الخلق لحاجة. ولكن بالخلق نقل حوائج بعضهم إلى بعض ، وفضّل بعضهم على بعض ، بلا حاجة منه إلى مَن فضّل ، ولا نقمة منه على من أذلّ. فلهذا خلق.
فقال عمران : يا سيدي ، فأخبرني بأيّ شيء علِم ما علِم؟ أبضمير أم بغير ذلك؟
قال الرضا عليهالسلام : أرأيت إذا علم بضمير ، هل تجد بُدّاً من أن تجعل لذلك الضمير حداً تنتهى المعرفة إليه؟
قال عمران : لابدّ من ذلك. قال الرضا عليهالسلام : فما ذلك الضمير؟! فانقطع ولم يَحر جواباً. فقال الرضا عليهالسلام : إن سألتك عن الضمير نفسه تعرّفه بضمير آخر ؛ فإن قلت : نعم ، أفسدت عليك دعواك وقولك.
يا عمران ؛ أليس ينبغي أن تعلم أنّ الواحد لا يوصف بضمير ، ولا يقال له أكثر من : فعل وعمل وصنع ، ولا يتوهم فيه تجزية (أو تجربة) ومذاهب كمذاهب المخلوقين وتجزيتهم (أو : تجربتهم) فاعقل ذلك ، وما علمته صواباً فابن عليه.
قال عمران : يا سيدي ، ألا تخبرني عن حدود خلقه كيف هي؟ وما معانيها؟ وعلى كم نوع يكون؟
قال : اعلم أنّ حدود خلقه على ستة أنواع : ملموس وموزون ومنظور إليه ، وما لا ذوق له وهو الروح! ومنها : ما هو منظور إليه وليس له وزن ولا لمس ولا حس ولا لون ولا ذوق ، والتقدير ، والأعراض ، والصور ، والطول والعرض. ومنها : العمل والحركات التي تصنع الأشياء وتعملها وتغيّرها من حال إلى حال وتزيدها وتنقصها.