ولا استماع اذن ولا لمس كف ولا إحاطة بقلب. ولو كانت صفاته لا تدل عليه وأسماؤه لا تدعو إليه ، والخلق لا تُدركه بمعناه ، لكانت العبادة من الخلق لأسمائه وصفاته دون معناه ، ولو كان ذلك كذلك لكان المعبود الموحَّد غير الله ؛ لأنّ صفاته وأسماءه غيره ، أفهمت يا عمران؟ قال : نعم يا سيدي زدني.
قال عليهالسلام : إنّما اختلف الناس في هذا الباب حتّى تاهوا وتحيّروا وطلبوا الخلاص من الظلمة بالظلمة ، في وصفهم الله تعالى بصفة أنفسهم ، فازدادوا بعداً عن الحق ، ولو وصفوا الله بصفاته ووصفوا المخلوقين بصفاتهم لقالوا بالفهم واليقين ولما اختلفوا .. والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
قال عمران : يا سيدي ، أشهد أنّه كما وصفت ، ولكن بقيت لي مسألة. قال : سل عما أردت.
قال : أسألك عن الحكيم في أي شيء هو؟ وهل يحيط به شيء؟ وهل يتحول من شيء إلى شيء؟
فقال الرضا عليهالسلام : يا عمران ، اعقل ما سألت عنه ، فإنه من أغمض ما يرد على الخلق في مسائلهم ، وليس يفهمه المتفاوت عقله العازب حلمه ، ولا يعجز عن فهمه أُولو العقل المنصفون.
إنّه لو كان خلق ما خلق لحاجة منه لجاز لقائل أن يقول : إنّه يتحول إلى ما خلق لحاجته إلى ذلك ، ولكنّه لم يخلق شيئاً لحاجة إلى ذلك. ولم يزل ثابتاً لا في شيء ولا على شيء .. وليس يدخل في شيء ولا يخرج منه ، ولا يؤوده حفظه ولا يعجز عن إمساكه ، ولا يعرف أحد من الخلق كيف ذلك إلّاالله عزوجل ومن أطلعه عليه من رسله وأهل سره والمستحفظين لأمره وخزّانه القائمين بشريعته. وإنّما أمره كلمح البصر أو هو أقرب ، إذا شاء شيئاً فإنما يقول له : كن فيكون بمشيّته وإرادته. وليس بشيء أقرب إليه من شيء ولا شيء أبعد منه من شيء آخر ، أفهمت يا عمران!