والحمد لله الذي شرع الإسلام ديناً ففضله وعظّمه وشرّفه وكرّمه ، وجعله الدين القيم الذي لا يُقبل غيره ، والصراط المستقيم الذي لا يضل من لزمه ولا يهتدي من صرف عنه ، وجعل فيه النور والبرهان والشفاء والبيان ، وبعث به من اصطفى من ملائكته إلى من اجتبى من رسله من الأُمم الخالية والقرون الماضية.
حتّى انتهت رسالته إلى محمّد المصطفى صلىاللهعليهوآله ، فختم به النبيين وقفّى به على آثار المرسلين وبعثه رحمة للعالمين ، بشيراً للمؤمنين المصدّقين ونذيراً للكافرين المكذّبين ، لتكون له الحجة البالغة ، وليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيّ عن بيّنة ، وإن الله لسميع عليم.
والحمد الله الذي أورث «أهل بيته» مواريث النبوة ، واستودعهم العلم والحكمة ، وجعلهم معدن «الإمامة والخلافة» وأوجب «ولايتهم» وشرّف منزلتهم ، فأمر رسوله بمسألة أُمته «مودتهم» إذ يقول : (قُلْ لَاأَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى (١)) وما وصفهم به من إذهابه الرجس عنهم وتطهيره إياهم في قوله : (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (٢)).
ثمّ إن المأمون برّ رسول الله صلىاللهعليهوآله في عترته ، ووصل أرحام «أهل بيته» فردّ الفتهم وجمع فُرقتهم ، ورأب صدعهم ورتق فتقهم ، وأذهب الله به الضغائن والإحن بينهم ، وأسكن التناصر والتواصل والمودة والمحبة قلوبهم ، فأصبحت ـ بيُمنه وبركته وبرّه وصلته ـ أيديهم واحدة ، وكلمتهم جامعة وأهواؤهم متفقة ، ورعى الحقوق لأهلها ، ووضع المواريث مواضعها ، وكافأ إحسان المحسنين ، وحفظ بلاء المبتلين ، وقرّب وباعد على الدين!
__________________
(١) الشورى : ٢٣.
(٢) الأحزاب : ٣٣.