وسأل أمير المؤمنين ما لم يزل له سائلاً وإليه فيه راغباً : من التخلّي والتزهد! فعظم ذلك عنده وعندنا ، لمعرفتنا بما جعل الله في مكانه الذي هو به من تصديق نيّته ، ويمن نقيبته ، وصحة تدبيره ، وقوة رأيه ، ونجح طلبته ، ومعاونته على الحق والهدى والبرّ والتقوى!
فلمّا وثق أمير المؤمنين وثقنا منه بالنظر للدين ، وإيثار ما فيه صلاحه ، وأعطيناه سؤله الذي يشبه قدره ، وكتبنا له (كتاب حِباء وشرط) قد نسخ في أسفل كتابي هذا.
وأشهدنا الله عليه ومن حضرنا من أهل بيتنا والقواد والصحابة والقضاة والفقهاء والخاصة والعامة.
ورأى أمير المؤمنين الكتاب به إلى الآفاق ، ليذيع ويشيع في أهلها ، ويقرأ على منابرها ، ويثبت عند ولاتها وقضاتها.
فسألني أن أكتب بذلك وأشرح (افصّل) معانيه ، وهي على ثلاثة أبواب :
ففي الباب الأول : البيان عن كل آثاره التي أوجب الله تعالى بها حقه علينا وعلى المسلمين.
والباب الثاني : البيان عن مرتبته في إزاحة علته في كل ما دبّر ودخل فيه : أن لا سبيل عليه في ما ترك وكره ؛ وذلك لما ليس لخَلق في عنقه بيعة إلّاله وحده ولأخيه! ومن إزاحة العلة تحكيمها في مَن يبغي عليهما وسعى بفساد علينا وعليهما وعلى أوليائنا ، لئلا يطمع طامع في خلاف عليهما ولا معصية لهما ، ولا احتيال في مدخل بيننا وبينهما.
والباب الثالث : البيان عن إعطائنا إياه ما أحب من ملك التخلي وحلية الزهد .. وما يلزمنا له من الكرامة والعزّ و «الحِباء» الذي بذلناه له ولأخيه! في منعهما ما نمنع منه أنفسنا ، وذلك محيط في كل ما يحتاط فيه محتاط في أمر دين ودنيا. وهذه نسخة الكتاب :