وفساد ذات بينهم واختلافهم ، ودفع نزغ الشيطان وكيده عنهم (١) فإنّ الله عزوجل جعل العهد بعد الخلافة من تمام أمر الإسلام وكماله (٢) وعزّه وصلاح أهله. و (قد) ألهم خلفاءه من توكيده لمن يختارونه له من بعدهم ما عظمت به النعمة (٣) وشملت فيه العافية ، ونقض الله بذلك مكر أهل الشقاق والعداوة والسعي في الفرقة والتربّص للفتنة.
ولم يزل أمير المؤمنين منذ أفضت إليه الخلافة فاختبر بشاعة مذاقها! وثقل محملها وشدة مؤونتها! وما يجب على من تقلدها من ارتباط طاعة الله ، ومراقبته فيما حمّله منها ، فأنصب بدنه وأسهر عينه وأطال فكره ، فيما فيه عزّ الدين وقمع المشركين ، وصلاح الأُمة ونشر العدل ، وإقامة الكتاب والسنة ، ومنعه ذلك من الخفض والدّعة ـ ومهنأ العيش! علماً بما الله سائله عنه ، ومحبّة أن يلقى الله مناصحاً له في دينه وعباده ، ومختاراً لولاية عهده ورعاية الأُمة من بعده ـ أفضل من يقدر عليه في دينه وورعه وعلمه ، وأرجاهم للقيام في أمر الله وحقّه. مناجياً الله بالاستخارة في ذلك ومسألته إلهامه ما فيه رضاه وطاعته ، في آناء ليله ونهاره ، مُعملاً في طلبه والتماسه في أهل بيته من ولد عبد الله بن العباس وعلي بن أبي طالب فكره ونظره ، مقتصراً فيمن علم حاله ومذهبه منهم على علمه ، وبالغاً في المسألة عمّن خفى عليه أمره ، جهده وطاقته ، حتّى استقصى أُمورهم معرفة وابتلى أخبارهم مشاهدة ، واستبرأ أحوالهم معاينة ، وكشف ما عندهم مُساءلة.
__________________
(١) كذا يصف المأمون الخلافة والعهد بها لما بعده ، وقد أوهم قبل هذا كأن الله ورسوله أهملا أمرها بعد النبيّ! ومع هذا يُتهم المأمون بالتشيع ، وهذا هو محور التشيع.
(٢) هل يشير بذلك إلى آية إكمال الدين وإتمام النعمة؟!
(٣) وهل يشير بهذا إلى آية إتمام النعمة؟!