فكانت خيرته ـ بعد استخارته لله وإجهاده نفسه في قضاء حقه في بلاده وعباده من البيتين جميعاً ـ علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ؛ لما رأى من فضله البارع وعلمه النافع ، وورعه الظاهر وزهده الخالص وتخلّيه من الدنيا وتسلّمه من الناس! وقد استبان له ما لم تزل الأخبار عليه متواطئة ، والألسن عليه متّفقة ، والكلمة فيه جامعة ، ولِما لم يزل يعرفه به من الفضل يافعاً وناشئاً ، وحدثاً ومكتهلاً ، فعقد له بالعهد والخلافة من بعده ، واثقاً بخيرة الله في ذلك ، إذ علم الله أنّه فعله إيثاراً له وللدين ، ونظراً للإسلام والمسلمين ، و «طلباً للسلامة وثبات الحجة» والنجاة في اليوم الذي يقوم الناس فيه لربّ العالمين.
فدعا أمير المؤمنين ولده وأهل بيته وخاصّته ، وقوّاده وخدمه ، فبايعوا مسرعين مسرورين ، عالمين بإيثار أمير المؤمنين طاعة الله على الهوى في ولده وغيرهم ، ممن هو أشبك منه رحماً وأقرب قرابة.
وسمّاه «الرضا» إذ كان رضاً عند أمير المؤمنين!
فيا معاشر أهل بيت أمير المؤمنين ، ومَن بالمدينة المحروسة من قوّاده وجنده وعامة المسلمين ، بايِعوا لأمير المؤمنين وللرضا علي بن موسى من بعده ، على اسم الله وبركته وحسن قضائه لدينه وعباده ، بيعة مبسوطة لها أيديكم ، منشرحة لها صدوركم ، عالمين بما أراد بها أمير المؤمنين! وآثر طاعة الله والنظر لنفسه ولكم فيها ، شاكرين لله على ما ألهم أمير المؤمنين من قضاء حقه في رعايتكم ، وحرصه على رشدكم وصلاحكم ، راجين عائدة ذلك في : «جمع أُلفتكم وحقن دمائكم ، ولمّ شعثكم ، وسدّ ثغوركم ، وقوة دينكم ، ووقم عدوّكم ، واستقامة أُموركم» وسارعوا إلى طاعة الله وطاعة أمير المؤمنين ، فإنه الأمن إن سارعتم إليه وحمدتم الله عليه وعرفتم الحظّ فيه ، إن شاء الله.