وكتب بيده في يوم الاثنين لسبع خلون من شهر رمضان سنة إحدى ومئتين.
فلمّا قدّمه للرضا عليهالسلام وقرأه قَلبه فكتب على ظهره :
بسم الله الرحمنِ الرحيم ، الحمد لله الفعّال لما يشاء لا معقّب لحكمه ولا رادّ لقضائه : (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (١)) وصلّى الله على نبيه محمّد خاتم النبيين وآله الطيبين الطاهرين.
أقول ـ وأنا علي بن موسى بن جعفر ـ إنّ أمير المؤمنين (عضّده الله بالسداد ووفّقه للرشاد) عرف من حقنا ما جهله غيره ، فوصل أرحاماً قُطعت ، وأمن نفوساً فزعت ، بل أحياها وقد تلفت ، وأغناها إذ افتقرت ، مبتغياً رضا ربّ العالمين ، لا يريد جزاءً من غيره و (سَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ (٢)) و (لَايُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (٣)).
وإنّه جعل إليّ عهده ، والإمرة الكبرى إن بقيت بعده ، فمن حلّ عقدة أمر الله بشدها وفصم عروة أحبّ الله إيثاقها فقد أباح حريمه وأحلّ محرّمه! إذ كان بذلك زارياً على الإمام ، منتهكاً حرمة الإسلام. بذلك جرى السالف منهم فصبر على الفلتات ، ولم يعترض بعدها على الغرامات «خوفاً على شتات الدين واضطراب حبل المسلمين» ولقرب أمر الجاهلية ورصد فرصة تُنتهز وبائقة تُبتدر!
وقد جعلت لله على نفسي ـ أن استرعاني أمر المسلمين وقلّدني خلافته ـ العمل فيهم عامة وفي بني العباس بن عبد المطلب خاصة ، بطاعته وطاعة رسوله صلىاللهعليهوآله ، وأن لا أسفك دماً حراماً ، ولا ابيح فرجاً ولا مالاً ، إلّاما سفكته حدوده وأباحته فرائضه ، وأن أتخيّر الكُفاة جهدي وطاقتي ، وجعلت بذلك على نفسي عهداً مؤكداً يسألني الله عنه ، فإنه عزوجل يقول : (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ
__________________
(١) غافر : ١٩.
(٢) آل عمران : ١٤٤.
(٣) يوسف : ٩٠ ، والتوبة : ١٢٠.