والباقي إذا أدركت الغلّات. فاختلفوا ، وغضب ولد العباس من ذلك واجتمع بعضهم إلى بعض وتكلموا فيه ، وكان المختلف والمتقلّد والمتكلم في ذلك ابنا المهدي العباسي إبراهيم ومنصور وقالوا : إنّما هذا دسيسة الفضل بن سهل ، فلا نلبس الخضرة ولا نبايع فلا نُخرج هذا الأمر من ولد العباس ؛ فنخلع المأمون ونولّي بعضنا (١)!
وقبل هذا منذ أواخر شعبان كان فسّاق الحربية ببغداد أظهروا الفسق ، فكانوا يجتمعون فيذهبون إلى القرى فيكاثرون أهلها ويأخذون ما قدروا عليه من متاع ومال وغير ذلك ، ومنها أنهم خرجوا إلى قرية قُطرَبُل فانتهبوها علانية وأخذوا المتاع والذهب والفضة والغنم والبقر والحمير وغير ذلك إلى بغداد فباعوها علانية ؛ وجاء أهلها فاستعدَوا السلطان عليهم فلم يُمكِنه إعداؤهم عليهم لأنهم كانوا بطانته وهو يعتزّ بهم فلا يقدر على ذلك منهم! ولا يقدر أن يمنعهم من فسق يرتكبونه ، فكانوا يجبون المارّة في الطرق وفي السفن وعلى ظهر الدواب ويقطعون الطرق علانية ولا أحد يعدو عليهم ، فكان الناس منهم في بلاء عظيم! حتّى أنهم كانوا يجتمعون فيأتون الرجل فيأخذون ابنه فيذهبون به فلا يقدر أن يمتنع منهم! وكانوا يسألون الرجل أن يصلهم أو يُقرضهم فلا يقدر أن يمتنع عليهم!
هذا وقد أحصى القائد العباسي عيسى بن محمّد مَن في عسكره فكانوا مئة وخمسة وعشرين ألفاً من فارس وراجل!.
وكان بعضهم يَخفرون البساتين ، والخفارة أنّه كان يأتي الرجل بعض أصحاب البساتين فيقول له : بستانك في خفارتي أدفع عنه السوء كل شهر كذا درهماً ، فيضطر أن يعطيه شاء أو أبى!.
__________________
(١) تاريخ الطبري ٧ : ٥٥٤ ، ٥٥٥.