یا أبا الحسن ، إنّي قلت لدعبل ينشدني «مدارس آيات ..» فذكر أنّه لا يعرفها! فالتفت الرضا عليه السلام إليّ : أنشدها. فاندفعت أنشد ... فأمر لي المأمون (بخمسين ألف درهم) ، و (قد) أمر لي الرضا عليه السلام بمثلها.
وأمر لي الفضل بن سهل (وكان حاضراً) ببرذون أصفر حملني عليه وكان يوماً مطيراً فكان عليه ممطر خزّ سوسي وبُرنس منه ، فآثرني به ودعا لنفسه بغيره وقال لي : إنّما آثرتك بذلك لأنّه خير الممطرين ، وسايرني.
قال : وقضيت حوائجي ، وكررت راجعاً إلى العراق (بغداد) في قافلة ، فلمّا مرّت القافلة بين أكراد يُعرفون بالشادنجان قطعوا علينا الطريق وسلبوا القافلة وسلبوني ، وكان يوماً مطيراً ، فلبس الممطر (الذي أعطانيه الفضل) وركب البرذون الاصفر الذي حملني عليه الفضل ووقف بقربي ، ولم يبقوا عليَّ غير قميص خلق ، فاعتزلت وأكثر أسفي على الثوب والمنشفة التي وهبها لي الرضا عليه السلام وأنا اُحدّث نفسي أنّني أسألهم إياهما. فبينا أنا في غمرة الفكرة وإذا بالكردي الذي على برذوني وعليه الممطر وهو يرى نهب القافلة أنشد من شعري :
أرى فيئهم في غيرهم متقسّماً |
|
وأيديهم من فيئهم صفرات |
وبكى واستمر في القصيدة ، فعجبت من لصّ كردي «يتشيّع» وطعمت في القميص والمنشفة ، فدنوت منه وقلت له : یا سيدي! لمن هذا الشعر؟ فقال : وما أنت وذاك ويلك! قلت : لي فيه سبب اُخبرك به. قال : صاحبها أشهر من أن يُجهل! قلت : مَن هو قال : دعبل ، شاعر آل محمّد ، وجزاه الله خيراً! قلت : فأنا دعبل وهذه قصيدتي! فقال : أتدري ما تقول؟ قلت : سل من أحببت من أهل القافلة يخبرك بذلك! فقال : إذاً والله لا يذهب من القافلة خلال فما فوقه ، والحمدلله الذي أقدرني على قضاء حقك يا شاعر آل محمّد!
ثمّ نادى في أصحابه : من أخذ شيئاً فليرده على صاحبه!