أما بعد ، فإنّ الله تعالى بعث محمّداً صلىاللهعليهوآله على فترة من الرسل ، وقريش في أنفسها وأموالها لا يرون أحداً يساميهم ولا يباريهم! فكان نبياً أميناً ، من أوسطهم بيتاً وأقلهم مالاً. وكانت خديجة بنت خويلد أول من آمنت به (كذا) فواسته بمالها ، ثمّ آمن به أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ابن تسع سنين (كذا) ولم يُشرك بالله شيئاً طرفة عين ، ولم يعبد وثناً ولم يأكل رباً (في إشارة إلى جدهم العباس) ولم يشاكل الجاهلية في جهالاتهم.
وكانت عمومة رسول الله إمّا مسلم مهَين (كذا) أو كافر معاند ، إلّاحمزة ، فإنه لم يمتنع من الإسلام .. وأما أبو طالب فإنه كفله وربّاه ، ولم يزل مدافعاً عنه ومانعاً منه. فلمّا قبض الله أبا طالب همّ القوم وأجمعوا عليه ليقتلوه ، فهاجر إلى القوم (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١)).
فلم يقم مع رسول الله صلىاللهعليهوآله من المهاجرين أحد كقيام علي بن أبي طالب عليهالسلام فإنه آزره ووقاه بنفسه ونام في مضجعه ، ثمّ لم يزل بعد ينازل الأبطال ولا ينكل عن قِرن ولا يولّى عن جيش ، منيع القلب ، يؤمَّر على الجميع ولا يؤمَّر عليه أحد ، أشد الناس وطأة على المشركين ، وأعظمهم جهاداً في الله ، وأفقههم في دين الله ، وأقرأهم لكتاب الله ، وأعرفهم بالحلال والحرام ، وهو صاحب الولاية في حديث «خم» وصاحب قوله : «أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلّاأنّه لا نبيّ بعدي» وصاحب يوم «الطائف» إذ كان أحبّ الخلق إلى الله وإلى رسول الله ، ومن فتح له بابه وسدّ أبواب المسجد ، وهو صاحب الراية يوم «خيبر»
__________________
(١) الحشر : ٩.