أين يُذهب بكم؟! أضربتم عن الذكر صفحاً أم أنتم قوم مسرفون؟! أما علمتم أنّه وقعت الوراثة والطهارة على المصطفين المهتدين دون سائرهم (وذلك) من قول الله عزوجل : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (١)) فصارت وراثة النبوة والكتاب للمهتدين دون الفاسقين. أما علمتم أن نوحاً حين سأل ربه عزوجل فقال : (رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (٢)) ذلك أنّ الله كان قد وعده أن ينجّيه وأهله. فقال ربّه عزوجل : (يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (٣)).
فقال المأمون : هل فضَّل الله العترة على سائر الناس؟
فقال أبو الحسن : إنّ الله عزوجل قد أبان فَضل العترة على سائر الناس في محكم كتابه (وذلك) قول الله عزوجل : (إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ* ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٤)) وقال عزوجل في موضع آخر : (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً (٥)) ثمّ في إثر هذه ردّ الخطاب إلى سائر المؤمنين فقال : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ (٦)) يعني الذين قرنهم بالكتاب والحكمة فحُسدوا عليهما ، فقوله عزوجل :
__________________
(١) الحديد : ٢٦.
(٢) هود : ٤٥.
(٣) هود : ٤٦.
(٤) آل عمران : ٣٣ ـ ٣٤.
(٥) النساء : ٥٤.
(٦) النساء : ٥٩.