خندقهم السابق ، وقد تركوا أطعمتهم وأعلافهم ، ثمّ تبيّن أنها خدعة وأ نّهم صاروا بالعراء وقد نزل قحطبة منازلهم في خندقهم! فأقام نحواً من عشرين يوماً حتّى استجمّ وأسمن ، وذلك في الصيف وقد احمرّ البُسر وقلّت المياه. ثمّ سار حتّى بلغ باحُمشا فوجد مخاضة قليلة الماء فأخاض وقطع دجلة إلى الفرات فنزل بالفلاة ، وتبعه ابن هبيرة بجمعه حتّى نزل على مسنّاة الفرات من أرض الفلوجة العليا ، وذلك في يوم الثلاثاء لثامن محرم الحرام سنة (١٣٢ ه).
ثمّ عبر قحطبة الفرات ومعه سبعمئة من جمعه إلى أهل العراق وهم لا يشعرون به حتّى صار على المسناة مشرفاً عليهم وأزالهم عن مكانهم فانهزم العراقيون إلى فم نهر واسط ثمّ سوراء فقطعوا مخاضتها ، فذهبت أثقال كثيرة وغرق كثير منهم ، ثمّ اجتمعوا فنادى منادي الشام : من أراد الشام فهلمّ فذهب إليه كثير منهم ، ونادى آخر : من أراد الجزيرة .. ونادى آخر : من أراد الكوفة .. و : من أراد الواسط (١).
وقال اليعقوبي : قدم قحطبة العراق فوافى بها عسكراً لابن هبيرة فاستباحه حتّى صار إلى الزاب في الفلوجة العليا على رأس أربعة وعشرين فرسخاً (١٣٠ كم تقريباً) من الكوفة ، فالتقى بعسكر ابن هبيرة ليلة الخميس لتسع خلون من المحرم سنة (١٣٢ ه) فاقتتلوا ساعة من الليل ، ثمّ انهزم ابن هُبيرة حتّى رجع إلى واسط وتحصّن بها وأدخل الأنزال والطعام ، وانصرف إليها فلول عساكره.
ولمّا فرغ قحطبة من قتاله قام خطيباً فحمد الله وأثنى عليه وصلّى على النبيّ ثمّ قال : أيّها الناس ، إنّا والله ما خرجنا إلّالإقامة الحق وإزالة دولة الباطل ، وقد أعلمتكم أنّ الإمام محمّد بن علي بن عبد الله بن عباس أعلمني أنّي ألقى نباتة بن
__________________
(١) النجوم الزاهرة ١ : ٣٩٦ عن المدائني البصري.