فأخبره بسوء وضعهم وأنهم في «سرداب» (كذا) فصار معه إليهم. وكأنّه كان قد علم بوصية إبراهيم بن محمّد إلى أخيه عبد الله بن محمّد ابن الحارثية (١) ولم يعرفه هو! فسألهم عنه قال : أيكم عبد الله بن محمّد ابن الحارثية؟ فهم أشاروا إلى أبي العباس ، فسلّم عليه بالخلافة (٢).
ثمّ خرج فأخبر أصحابه بموضعه ، فمضوا سرّاً من أبي سلمة ، حتّى سلّموا على أبي العباس بالخلافة ، وقد حمل أبو حميد الطوسي معه ثياباً سوداً فألبسه وأخرجه إلى المسجد الجامع ، والعباسيون اثنان وعشرون رجلاً (٣).
وبلغ الخبر أبا سلمة فلحقهم وقال لهم : استعجلتم! وأرجو أن يكون خيراً (٤) وإني إنّما كنت أدبّر لاستقامة الأمر ، وإلّا فلا أعمل شيئاً فيه.
وكان أبو العباس حييّاً فلمّا بويع وصعد المنبر ارتج عليه فأقام مليّاً لا يتكلم! فصعد إليه عمّه داود بن علي وقام دونه بمرقاة فخطب ، فحمد الله وأثنى عليه وصلّى على محمّد وقال :
أيها الناس! تقشّعت حنادس الفتنة ، وانكشف غطاء الدنيا! وأشرقت أرضها وسماؤها! وطلعت الشمس من مطلعها! وعاد السهم إلى النزعة وأخذ القوسَ باريها ، ورجع الحق إلى نصابه في «أهل بيت نبيكم»! أهل الرأفة بكم والرحمة لكم والتعطّف عليكم.
__________________
(١) هي ابنة عبد الله بن المدان الحارثي ، وكانت زوجة عبد الملك بن مروان! ثمّ تزوّجها محمّد بن علي العباسي ، فأبو العباس السفاح من إخوة أبناء عبد الملك المرواني لأُمهم! كما في مروج الذهب ٣ : ٢٥١.
(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٣٤٥.
(٣) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٣٥٠.
(٤) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٣٤٥.