فقال أبو مسلم : قد أتيت يا أمير المؤمنين فليأمرني بأمره. قال : انصرف إلى منزلك وضع ثيابك وادخل الحمّام ليذهب عنك كلالُ السفر.
وأقام أبو مسلم أياماً وفي كل يوم يأتي المنصور فيريه من الإكرام ما لم يُرِه قبل ذلك ، وهو ينتظر به الفرصة. وأقبل أبو مسلم فلمّا صار إلى الزقاق الداخلي قيل له : إن أمير المؤمنين! يتوضّأ ، فلو جلست! وكان على حرس المنصور عثمان بن نُهيك فاستدعاه المنصور ومعه حرب بن قيس وشبيب بن رياح المرورودي وقال لهم : إذا عاتبته فعلا صوتي فلا تخرجوا ، وإذا صفقت بيدي فدونك يا عثمان! وجعلهم في قطعة من الحجرة في ستر خلف محلّ أبي مسلم. وقيل له : أن قد جلس أمير المؤمنين فقام ليدخل ومعه سيفه! فقيل له : انزع سيفك! فقال : ما كان يُصنع بي هذا! فقيل : وما عليك! فنزع سيفه ، وعليه قباء أسود وتحته جبّة خزّ (فكان شتاءً).
فدخل فسلّم وجلس على وسادة ليس في المجلس غيرها ، وخلف ظهره القوم خلف ستر. فقال أبو مسلم : يا أمير المؤمنين صُنع بي ما لم يُصنع بأحد ، نُزع سيفي من عنقي! قال : ومن فعل ذلك قبّحه الله! ثمّ أقبل يعاتبه يقول له : فعلت وفعلت؟ فقال : يا أمير المؤمنين لا يقال مثل هذا لي على حسن بلائي وما كان مني! فقال المنصور : يابن الخبيثة! والله لو كانت أمة أو امرأة مكانك لبلغت ما بلغت في دولتنا ، ولو كان ذلك إليك ما قطعت فتيلاً! ألست الكاتب إليّ تبدأ بنفسك ، والكاتب إليّ تخطب ابنة علي ابن عمي وتزعم أنك ابن سليط بن عبد الله بن العباس ، لقد ارتقيت ـ لا أُمّ لك ـ مرتقى صعباً ، يقول ذلك وترتعد يده. ثمّ صفق بيده ، فخرج عثمان لقتله فأكبّ أبو مسلم إلى رجل المنصور يقبّلها فدفعه برجله ، وضربه شبيب على عاتقه فأسرعت فيه ثمّ اعتوره القوم بأسيافهم فقتلوه وهو يستغيث ، ثمّ أمر المنصور فلفّ في مَسح ووُضع ناحية.