روى الصدوق عن الصادق عليهالسلام قال : كنت وجماعة من أهل بيتي عند زياد بن عبيد الله الحارثي فقال لنا : يا بني عليّ وفاطمة! ما فضلكم على الناس؟ فسكتوا ، فقلت : إن من فضلنا على الناس أنا لا نحبّ أن نكون من أحد سوانا! وليس أحد من الناس لا يحبّ أن يكون منّا إلّاأشرك!
وبمثل هذا الجواب الجادّ الحاد أجاب أميره المنصور بحضوره ولعلّه في سفره هذا ، لما وقع عليه ذباب فذبّه عنه ، ثمّ وقع عليه فذبّه عنه ، ثمّ وقع عليه فذبّه عنه ثالثة ثمّ قال للإمام عليهالسلام : يا أبا عبد الله ، لأي شيء خلق الله الذّباب؟ فقال عليهالسلام : ليذلّ به الجبّارين (١) وليس في الخبر أي ردّ من المنصور فكأنه تحمّله على مضض.
ولعلّه لذا أوعز إلى حاجبه الربيع بن يونس لما وقف ببابه أهل مكة وأهل المدينة : أن يأذن لأهل مكة قبل أهل المدينة ، ففعل الربيع ذلك فقال له الإمام عليهالسلام : أتأذن لأهل مكة قبل أهل المدينة؟! فقال الربيع : مكة العُش! فقال عليهالسلام : عُشّ والله طار خياره وبقي شراره (٢).
ولم يمنعه ذلك أن يتظاهر بتأييد الصادق عليهالسلام له ، بأن أحضره يوم الجمعة فخرج إلى الصلاة متوكئاً على يده أمام الناس ليريهم ذلك. وكان ممن تولّى الإمام عليهالسلام من موالي ولاة بني امية : رزّام مولى خالد بن عبد الله القسري البجلي ، ولكنّه كأنه لم يرَ الإمام أو لم يعرفه يومئذ ، فسأل : مَن هذا الذي بلغ من خطره أن يعتمد على يده أمير المؤمنين! قيل : هذا أبو عبد الله جعفر بن محمّد الصادق عليهالسلام فقال : لوددت أن خدّ أبي جعفر (المنصور) نعل لجعفر!
__________________
(١) علل الشرائع ٢ : ٢٠٨ ، الباب ٢٤٩ ، الحديث ١ ، وفي حلية الأولياء ٣ : ١٩٨ ، وصفة الصفوة ٢ : ١٧٠ ، وفي تاريخ دمشق نسبه إلى مقاتل بن سليمان.
(٢) نثر الدر ١ : ٣٥٢ ، وعنه في كشف الغمة ٣ : ٢٣٧.