فكأنّه عزم على أن يقرّر المنصور بعلم الإمام عليهالسلام فقام حتّى وقف بين يدي المنصور وقال : أسأل أمير المؤمنين؟ قال المنصور : سل هذا ـ كذا بلا تعريف به! فقال : إنّي أُريدك بالسؤال! وأصرّ المنصور قال : سل هذا! كذا بلا تعريف به! واكتفى رزّام بذلك والتفت إلى الإمام وقال له : أخبرني عن الصلاة وحدودها. وقد حضرت الصلاة.
فقال الإمام عليهالسلام : للصلاة أربعة آلاف حدّ لست تؤاخَذ بها.
فقال رزّام : أخبرني بما لا يحلّ تركه ولا تتم الصلاة إلّابه.
فقال الصادق عليهالسلام : لا تتم الصلاة إلّالذي طُهر سابغ وتمام بالغ ، غير زائغ ولا نازع. عرف فوقف ، وأخبت فثبت. فهو واقف بين اليأس والطمع والصبر والجزع ، كأنّ الوعد له صُنع والوعيد به وقع. بذل عرضه وتمثل غرضه ، وبذل في الله مهجته وتنكّب إليه المحجة. مرتغم بارتغام يقطع علائق الاهتمام ، بعين من له قصَد وإليه وفَد ومنه استرفَد! فإذا أتى بذلك كانت هي الصلاة التي بها امر وعنها اخبر ، وإنّها هي الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر! وسكت.
وهنا اضطرّ المنصور أن يعرّف به بكُنيته قال : يا أبا عبد الله! لا نزال من بحرك نغترف وإليك نزدلف ، تبصّر من العمى وتجلو بنورك الطخياء! فنحن نعوم في طامي بحرك وسبحات قدسك (١)!
وعقّب اليعقوبي على حَجّة المنصور هذه قال : وكان قد بلغه أن محمّد بن عبد الله بن الحسن قد تحرك (٢). فروى الآبي قال : قال المنصور للصادق عليهالسلام : يا أبا عبد الله ألا تعذرني من عبد الله بن حسن وولده يبثّون الدُعاة ويريدون الفتنة!
__________________
(١) عن فلاح السائل عن كنز الفوائد في بحار الأنوار ٤٧ : ١٨٥ ـ ١٨٦.
(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٣٦٩.