الجمعة يقول : «اللهمّ إنّ أبا تراب قد ألحد في دينك! وصدّ عن سبيلك! فالعنه لعناً وبيلاً وعذّبه عذاباً أليماً»! وكتب بذلك إلى الآفاق! فكانت هذه الكلمات يُشار بها على المنابر إلى خلافة عمر بن عبد العزيز (١) أمّا قبل خلافته فحتّى هو في ولايته أو إمارته على المدينة لم يذكر عنه ترك لذلك في خطبه ، على رغم ما زعمه عن معلّمه وأبيه ، ولعلّه ليأسه من موافقتهم بل خوفه من بأسهم.
أمّا علي عليهالسلام فقد كان يتعالى عن مثل هذا الإسفاف في خُطبه ، بل نقل عنه الصدوق أنّه عليهالسلام كان في آخر خطبه يتلو هذه الآية : «إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْىِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ» (٢) ويسبقها بدعاء المغفرة للمؤمنين والمسلمين ، ويفتتحها بقوله : «الحمد لله نحمده ونستعينه ونؤمن به ونتوكّل عليه ونشهد أن ...» (٣).
وعمر بن عبد العزيز لمّا تولّى شايع علياً عليهالسلام في خطبه يفتتحها بقوله : «الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونسغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيّئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضلّ له ، ومن يضلله فلا هادي له ، وأشهد أن ...» (٤) وترك لعن علي عليهالسلام على المنابر وجعل مكانه : «رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِاخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ» (٥) أو : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى ...) أو جعلهما جميعاً ،
__________________
(١) شرح النهج للمعتزلي ٤ : ٥٦ عن الجاحظ.
(٢) النحل : ٩٠.
(٣) كتاب من لا يحضره الفقيه ١ : ٤٣٢ في صلاة الجمعة.
(٤) تاريخ الخلفاء للسيوطي : ٢٨٧ عن الإصفهاني في حلية الأولياء.
(٥) الحشر : ١٠.