فإنه أول من قاس على ربّه» (١) حين قال : (خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (٢)) فدعوا الرأي والقياس وما قاله قوم وليس له في دين الله برهان ؛ فإن دين الله لم يوضع بالآراء والمقاييس (٣).
وروى الصدوق بسنده عن رجال من أهل الكوفة قال : دخلت على أبي حنيفة فإذا غلام من كندة يستفتيه في مسألة كنت رأيته عند أبي عبد الله عليهالسلام واستفتاه فأفتاه ، وأفتاه أبو حنيفة فيها بخلاف ما أفتاه أبو عبد الله عليهالسلام. فقمت إليه وقلت له : يا أبا حنيفة ، إني كنت العام حاجّاً وذهبت إلى أبي عبد الله مسلّماً عليه فوجدت هذا الغلام يستفتيه في هذه المسألة بعينها فأفتاه بخلاف ما أفتيته!
فقال أبو حنيفة : وما يعلم جعفر بن محمّد! أنا أعلم منه! أنا لقيت الرجال وسمعتهم ، وجعفر بن محمّد صحفي أخذ العلم من الكتب!
قال الرجل : فحججت ولقيت أبا عبد الله عليهالسلام فحكيت له الكلام ، فضحك ثمّ قال : أما قوله : إني رجل صحفي ، فقد صدق ، قرأت في صحف آبائي إبراهيم وموسى.
فما لبثت أن استأذن أبو حنيفة فأذن له فدخل وسلّم واستأذن للجلوس ، فأقبل الصادق عليهالسلام على أصحابه يحدّثهم ولم يلتفت إليه! فأعاد ثانية وثالثة ثمّ جلس بلا إذن منه.
فالتفت الصادق عليهالسلام إليه وقال له : أنت فقيه أهل العراق؟ قال : نعم ، قال : فبمَ تفتيهم؟ قال : بكتاب الله وسنّة نبيّه صلىاللهعليهوآله. قال : يا أبا حنيفة ؛ أتعرف كتاب الله حقّ معرفته والناسخ والمنسوخ؟ قال : نعم! قال : يا أبا حنيفة ؛ لقد ادّعيت علماً!
__________________
(١) علل الشرائع ١ : ١١٤ ، الباب ٨١ ، الحديث ٦.
(٢) الأعراف : ١٢.
(٣) علل الشرائع ١ : ١١٠ ـ ١١١ ، الباب ٨١ ، الحديث ٤.