ما قالت النصارى في المسيح ، لقلت فيك قولاً لا تمرّ بملأ إلّاأخذوا من تراب قدميك يستشفون به»!
وقال علي عليهالسلام : «يهلك فيّ اثنان ولا ذنب لي : محبٌّ غالٍ ، ومُفرّط قالٍ» وإنّما قال ذلك اعتذاراً منه أنّه لا يرضى بما يقول فيه الغالي.
ولقد تعلم أنت ما يقال فيك من الزور والبهتان! وإمساكك عن ذلك ورضاك به يسخط الديّان! فقد زعم أوغاد الحجاز ورُعاع الناس أنك حبر الدهر وناموسه ، وحجة المعبود وترجمانه ، و «عيبة علمه» وميزان قسطه ، ومصباحه الذي يقطع به الطالب عرض الظلمة إلى ضياء النور ، وأن الله لا يقبل من عامل جهل حدّك في الدنيا عملاً! ولا يرفع له يوم القيامة وزناً! فنسبوك إلى غير حدّك. وقالوا فيك ما ليس فيك! فقل ، فإن أول من قال الحق جدّك ، «وأول من صدقه عليك أبوك» وأنت حريّ أن تقتفي آثارهما وتسلك سبيلهما.
فهو طلب منه التبرّي عن مثل هذه الأقوال ، فأجابه الصادق عليهالسلام بقوله : أنا فرع من فروع الزيتونة ، وقنديل من قناديل بيت النبوة ، وأديب (مؤدّب) السَّفرة ، وربيب الكرام البررة ، ومصباح من مصابيح المشكاة التي فيها نور النور ، وصفو الكلمة الباقية في عقب المصطفين إلى يوم الحشر!
فالتفت المنصور إلى جلسائه وقال : هذا قد أحالني على بحر موّاج لا يدرك طرفه ولا يبلغ عمقه ، يحار فيه العلماء ويغرق فيه السُّبحاء! ويضيق بالسابح عرض الفضاء! هذا الشجى المعترض في حلوق الخلفاء الذي لا يجوز نفيه ولا يحلّ قتله! ولما لم يتمكّن من تبرّؤ الصادق عليهالسلام من تلك المقامات حاول أن يشرك فيها نفسه وأهله ولا يتخلّف عنه ويتهدّده أيضاً فقال : ولولا ما يجمعني وإياه من شجرة طاب أصلها وبسق فرعها ، وعذب ثمرها ، وبوركت في الذر وقدّست في الزّبر! لكان عنّي إليه ما لا يُحمد في العواقب لما يبلغني من شدة عيبه لنا وسوء القول فينا!