وكان محمّد بن السفّاح معسكراً في ناحية ، فلمّا رأى أصحابه منهزمين لفّ أعلامه وانهزم على مسنّاة إلى الكوفة ، وكان في المسنّاة تعريج ، فنظر أصحاب إبراهيم إليهم وكأنهم من خلفهم فتصايحوا : الكمين الكمين! فانهزموا! وصبر إبراهيم ومعه أربعمئة يضاربون دونه. وحسر إبراهيم عن لُبّته فأتته نُشّابة عائرة فأصابت لُبّته ، فاعتنق فرسه وكرّ راجعاً وأطاف به الزيدية ، وأكبّوا عليه يقبّلون يديه ورجليه وهم يقولون : أردنا أن نجعلك مليكاً فأبى الله إلّاأن يجعلك شهيداً! ونظر الأقطع مولى عيسى العباسي إلى ذلك فعلم أنّه إبراهيم ، وجعل أصحابه يقاتلون دونه لا يبالون ، فلمّا قُتلوا أتاه واحتزّ رأسه وجعله في مِخلاته وأتى مولاه عيسى العباسي وقال له : هذا رأس إبراهيم في مِخلاتي! فقال عيسى لابن أبي الكرام الجعفري معه : اذهب فانظر فإن كان رأسه فاحلف لي بالطلاق حتّى أُصدّقك! فأتاه فأخرجه له ورجع إلى عيسى بخبره ، فأمر أن ينادى فيهم بالأمان فنودي به.
وصار جمع منهم إلى عيسى بن زيد بن علي وانتظروه ما يفعل ، فصبر ملياً ثمّ قال : ما بعد هذا بقاء! وعاد بهم إلى قصر (خراب) ، فلمّا انتصف الليل افتقدوه ، وتوارى في الكوفة في دار علي بن صالح وتزوّج ابنته.
وكان قتل إبراهيم في ارتفاع النهار يوم الاثنين للخامس والعشرين من ذي القعدة سنة (١٤٥ ه) وكان مقتله بباخمرا إلى الكوفة على ثمانية عشر ميلاً (٩ كم تقريباً) فأوصل الرأس إلى المنصور بالكوفة ليلة الثلاثاء ، فلمّا أصبح أمر به فاخرج في سفط أحمر في منديل أبيض وأمامه مناد ينادي : هذا رأس الفاسق ابن الفاسق! وكان أقنى خفيف العارضين قد أثر السجود في أنفه وجبهته ، مخضوباً بالحناء ، فنُصب بالسوق ، ثمّ ارسل برأسه إلى مصر (١) وعمره يومئذ
__________________
(١) مقاتل الطالبيين : ٢٣٠ ـ ٢٣٣ و ٢٦٩ ـ ٢٨٤.