ثمّ عمّم ردّ المظالم ، فأخرج سجلّات عبد الملك بكثير من الإقطاعات بالأملاك والضياع ، وأمر المنادي فنادى : الصلاة جامعة ، وأمر مولاه مزاحم بحمل الكتب معه إلى المسجد ، وجاء ومعه مقصّ! فخطب فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال : أمّا بعد ، فإنّ هؤلاء (الخلفاء) قد كانوا أعطونا عطايا ما كان ينبغي لهم أن يعطوناها! وما كان ينبغي لنا أن نأخذها منهم. وإنّي قد رأيت أنّه ليس عليّ الآن في ذلك دون الله! وقد بدأت بنفسي والأقربين من أهل بيتي. ثمّ التفت إلى مولاه مزاحم وقال له : اقرأ يا مزاحم. فجعل مزاحم يقرأ كتباً فيها إقطاعات بالضياع والنواحي فيأخذها عمر فيقصّها بالمقصّ بيده ، وهكذا إلى نداء الظهر (١).
أسند هذا الخبر المعتزليّ في موضع وقال في موضع آخر : لمّا أفضت الخلافة إليه أخرج بمحضر من الناس سجلّات عبد الملك بكثير من الأملاك لأبيه عبد العزيز ، وقال لهم : هذه كتبت من غير أصل شرعي ، فأنا اعيدها إلى بيت المال ، ثمّ مزّقها بمحضرهم! قال : وذلك أنّ أباه عبد العزيز كان قد ملك بولاية مصر وغيرها في سلطان أخيه عبد الملك ضياعاً كثيرة بمصر والشام والعراق والمدينة ، من غير طاعة الله! ثمّ تركها لابنه عمر. فكان عمر ينفق منها في وجوه البرّ والقربات إلى الله! إلى أن أفضت الخلافة إليه فأفضى بها إلى بيت المال (٢).
ومنها جوهر جليل لم يكن لأحد مثله! وهبها عبد الملك لابنته فاطمة في عَرسها بعمر ، فقال لها : اختاري إمّا أن تردّي جوهرك وحليّك إلى بيت مال المسلمين ، وإمّا أن تأذني لي في فراقك! فإني أكره أن اجتمع بكِ وبه في بيت واحد! فاختارته وأمرت به فحُمل إلى بيت المال (٣) بلا تفصيل لتلك الحليّ والحلل.
__________________
(١) شرح النهج للمعتزلي ١٧ : ٩٩.
(٢) شرح النهج للمعتزلي ٢٠ : ٧٤ وتمامه : فكان يقال له : السعيد ابن الشقي.
(٣) شرح النهج للمعتزلي ١٧ : ٩٩ مسنداً.