وقد مرّ عن ابن قتيبة : أنّ عبد الملك كان قد عمل لابنته فاطمة لعرسها ثوباً منسوجاً بالذهب منظوماً بالدرر واليواقيت أنفق عليه مئة ألف دينار! قال : فقال عمر لها : اختاريني أو اختاري الثوب الذي عمله لك أبوكِ ، فإن اخترتِ الثوب فلست بصاحبك! وإن اخترتني فإنّي آخذ الثوب فأجعله في آخر بيت المال ، فإن وصلتُ إليه أنفقته في مصالح المسلمين فإنّما هو من أموال المسلمين أُنفِقت فيه ، وإن بقي الثوب ولم أحتج إليه فلعلّ مَن يأتي بعدي يردّه عليكِ! فقالت له : يا أمير المؤمنين افعل ما بدا لك (١).
وكأنّ عبد الملك لم يكن يُملّك النساء من العقار شيئاً ، وكأنّه قد سجّل ذلك في سجلّ كتبه في ذلك ، فجاء بعض نساء الخلفاء إلى سليمان بن عبد الملك تطلب ميراثاً من العقار ، فأجابها سليمان : ما إخال النساء يرثن من العقار شيئاً! وكان عمر حاضراً فقال له : سبحان الله! وأين كتاب الله! فقال سليمان لغلامه ، يا غلام ، اذهب فائتني بسجلّ عبد الملك الذي كتب في ذلك .. فقال له عمر : لكأ نّك تحضر لي المصحف! وكان أيوب بن سليمان وليّ عهد أبيه حاضراً وهذا قبل موته فقال لعمر : والله ليوشكنّ الرجل يتكلّم عند أمير المؤمنين بمثل هذا الكلام فلا يشعر حتّى يفارقه رأسه! فأجابه عمر : إذا أفضى الأمر إليك وإلى أمثالك كان ما يدخل على الإسلام أشدّ من هذا القول! ثمّ قام فخرج (٢).
فعمر بن عبد العزيز لم يكن في هذا على مذهب أهل البيت عليهمالسلام ، ولكنّه لم يكن يسجد إلّاعلى التراب (٣) ، فكأ نّه في ذلك على مذهب شيعة
__________________
(١) الإمامة والسياسة ٢ : ١١٦. ولعلّ النقل السابق مجمل عن هذا المفصَّل ، فلم يتكرّر.
(٢) شرح النهج للمعتزلي ١٨ : ١٤٤ ، وأشار إلى توريثهن في عهد عمر ، اليعقوبي ٢ : ٣٠٦.
(٣) شرح النهج للمعتزلي ١١ : ١٩٥ مرسلاً.