فقلت له : عافى الله أمير المؤمنين وأكرم مثواه ، قد عفوت عنه لقرابته من رسول الله صلىاللهعليهوآله.
ثمّ قال لي : يا أبا عبد الله ضع هذا العلم ودوّن منه كتباً ، وتجنّب شدائد عبد الله بن عمر ورُخص عبد الله بن عباس ، وشواذّ بن مسعود ، واقصد إلى أواسط الأُمور وما اجتمع عليه الأئمة والصحابة ، لنحمل الناس إن شاء الله على علمك وكتبك ونبثّها في الأمصار ، ونعهد إليهم أن لا يخالفوها ولا يقضوا بسواها!
فقلت له : أصلح الله الأمير ، إن أهل العراق لا يرضون علمنا ولا يرون في علمهم رأينا.
فقال المنصور : يُحملون عليه ونضرب عليه هاماتهم بالسيف ، ونقطع طيّ ظهورهم بالسياط ، فتعجّل وضْعها ، وسيأتيك محمّد ابني المهدي العام القابل إلى المدينة ليسمعها عنك ، فيجدك وقد فرغت من ذلك إن شاء الله.
ثمّ أمر لي بألف دينار ذهباً ، وبكسوة عظيمة! وأمر لابني (عبد الله) بألف دينار! ثمّ استأذنته فأذن لي ، فقمت فودّعني ودعا لي ، ثمّ مشيت منطلقاً ، فلحقني الخصيّ بالكسوة فوضعها على منكبي! فناداه المنصور بلّغها رحل أبي عبد الله (١).
واختصر الخبر قبل هذا فقال : قال المنصور لمالك بن أنس : يا أبا عبد الله ، إني رأيت رأياً. فقال مالك : يوفّق الله أمير المؤمنين إلى الصواب من الرأي ويلهمه الرشاد من القول ويعينه على فعل الخير ، فما رأى أمير المؤمنين؟
قال المنصور : رأيت أن اجلسك في هذا البيت فتكون من عُمّار بيت الله الحرام ، وأحمل الناس على علمك وأعهد إلى أهل الأمصار يوفدون وفودهم إليك ، ويرسلون رسلهم في أيام حجتهم إليك ، لتحملهم من أمر دينهم على الحق والصواب إن شاء الله ، فإنما العلم علم أهل المدينة ، وأنت أعلمهم!
__________________
(١) الإمامة والسياسة ٢ : ١٧٨ ، ١٨٠.