بئر ميمون في أول الحرم كان الإمام عليهالسلام قد حجّ ، قال البطائني : فأتيته فوجدته ساجداً طويلاً ثمّ رفع رأسه إليّ وقال لي : اخرج فانظر ما يقول الناس. فخرجت فسمعت الواعية على أبي جعفر المنصور ، فعُدت إليه وأخبرته فقال : الله أكبر! ما كان ليرى بيت الله أبداً (١).
وكان المنصور قد عهد إلى ابنه محمّد الذي لقّبه بالمهديّ ، واصطحبه معه من بغداد إلى الكوفة ، وفي الطريق في قصر عبدويه انقضّ كوكب فتطيّر ، وأحضر ابنه المهديّ وأوصاه بوصاياه بالمال والسلطان ، وعزّة أهل بيته وكرامتهم ، والتكاثر من مواليه ، والتحذير من تدخل النساء في أمره ، ثمّ ودّعه. ثمّ سار إلى الكوفة وكلّما سار منزلاً اشتدّ وجعه (٢).
وكانت علّته من بطنه. وهو أوّل خليفة قرّب المنجّمين وعمل بأحكام النجوم (٣) ، وأوّل من تُرجمت له الكتب من العجمية والسُريانية كإقليدس وكليلة ودَمنة! وهو أوّل من استكثر من الموالي واستعملهم على الأعمال وقدّمهم على العرب ، وكان أمر ولد عليّ والعباس قبله واحداً فكان هو أوّل من أوقع الفرقة بينهم (٤) حتّى قال له عمّه عبد الصمد بن علي العباسي : لقد هجمتَ بالعقوبة حتّى كأ نّك لم تسمع بالعفو؟! فقال : لأنّ آل أبي طالب لم تُغمد سيوفهم ، ونحن بين قوم قد رأونا بالأمس سوقة واليوم خلفاء ، فلا تتمهّد هيبتنا في صدورهم إلّاباستعمال العقوبة ونسيان العفو (٥)!
__________________
(١) قرب الأسناد : ٢٦٤ ، الحديث ١٢٥٩.
(٢) تاريخ مختصر الدول : ١٢٣.
(٣) والناس على دين ملوكهم ، فانتشر في الناس ذلك ، ولذا انتشر عن الصادق عليهالسلام النهي عنه.
(٤) تاريخ الخلفاء للسيوطي : ٣١٨ ، ٣٢٦.
(٥) تاريخ الخلفاء للسيوطي : ٣٢٣ عن ابن عساكر.