أمّا موسى بن عيسى العباسّي فإنّه دعا أبا العرجا الجمّال أن يُحضره جِماله. قال : فجئته بمئة جمل ذكر ، فختم على أعناقها لكي لا تفتقد ، ثمّ تهيّأ للمسير إلى الحسين صاحب فخّ ، فسار حتّى بلغنا بستان بني عامر فنزل ، ثمّ قال لي : اذهب إلى عسكر الحسين حتّى تراه وتخبرني بكل ما رأيت! فمضيت ودرت فما رأيت خللاً ولا فللاً! وما رأيت إلّامصليّاً أو مبتهلاً أو ناظراً في مصحف ، أو مُعدّاً للسلاح! قال : فجئته فأخبرته ، فضرب يداً على يد وبكى حتّى ظننت أنّه سينصرف ثمّ قال : هم والله أكرم عند الله وأحقّ منّا بما في أيدينا! ولكن الملك عقيم! ولو أنّ صاحب القبر (يعني النبيّ صلىاللهعليهوآله) نازعنا الملك ضربنا خيشومه بالسيف! ثمّ نادى لغلامه : يا غلام ، اضرب بطبلك. ثمّ سار إليهم.
والتحق به مبارك التركي بعسكره ، فغضب عليه موسى العباسي لانهزامه عن الحسين بالمدينة حتّى حلف ليجعلنّه سائساً للاصطبل (١).
وقاد عسكر العباسيّين : العباس بن محمّد ، وموسى بن عيسى ، وجعفر ومحمّد ابنا سليمان ، ومبارك التركي ، والحسن الحاجب ، والحسين بن يقطين (أخو علي بن يقطين) ومنارة. والتقوا يوم التروية صباحاً.
وأمر موسى بالتعبئة ، فصار محمّد بن سليمان في الميمنة ، وموسى في الميسرة ، وسليمان بن المنصور والعباس بن محمّد في القلب. وبدؤوا بموسى فحملوا عليه فاستطرد لهم شيئاً إلى بطن الوادي ، فحمل عليهم محمّد بن سليمان من خلفهم فطحنهم طحنة واحدة حتّى قتل أكثر أصحاب الحسين الحسني ، وجعلوا ينادونه : يا حسين لك الأمان! فيقول : ما أُريد الأمان ، واستمرّ يحمل عليهم حتّى قُتل. رماه حمّاد التركي بسهم فقتله ، فوهب له محمّد بن سليمان مئة خلعة ومئة ألف درهم!
__________________
(١) مقاتل الطالبيين : ٣٠١.