أمدّ رجلي فيه! حتّى جاءتني السيدة الخيزران فقالت لي : إنّ هذا الرجل! قد خَفِت الليلة وأحسبه قد قضى! فتعال انظره ، ففُتح عليَّ الباب ، وجئت فوجدته قد قضى ، فمضيت إلى هارون فأخرجته من حبسه ، وأصبح القوّاد فبايعوه (١).
ونقل المسعودي عن هارون : أنّ أباه المهدي أحضر الحُكيم بن إسحاق الصيمَري وكان يعبِّر الرؤيا فقال له : رأيت في منامي أنّي دفعت قضيبين إلى ابنَيّ موسى وهارون ، فأورق أعلى قضيب موسى قليلاً وأورق قضيب هارون كلّه! فقال الحُكيم : يملك موسى وتقل أيامه ، ويمك هارون فيبلغ آخر ما عاش خليفة. فلمّا ملك موسى قال لأخيه هارون : كأ نّي بك تحدِّث نفسك بتمام الرؤيا وتؤمّل ما أنت بعيد عنه ومن دون ذلك خرط القتاد! فقال هارون : إن وصل الأمر إليّ صيّرت أولادك أعلى من أولادي وزوّجتهم بناتي وبذلك أقضي حقّ المهدي! فانجلى عن موسى الغضب وبان السرور في وجهه ، وقال لخَزّانه : يا خَزّاني احمل إلى أخي الساعة ألف ألف دينار ، وإذا جُمع الخراج فاحمل إليه نصفه (٢)!
وأفاد قبله : أنّ خيزران زوجة المهدي ولدت ابنيه موسى وهارون بالريّ ، وادّعى المنجّم أنّ مولد الهادي يقتضي قصر عمره! وأنّ يحيى البرمكي علم ذلك ، وكان القيّم بأمر الرشيد فأراده الهادي أن يهدي الرشيد ليخلع نفسه لابنه جعفر ، فأقنعه البرمكي أنّ الناس لا يسلّمون الأمر لابنه جعفر وهو لا يبلغ الحلم ولا يرضون به لصلاتهم وحجّتهم وغزوهم ، فتسمو إليها نفوس أجلّة أهله فتخرج الخلافة من بني أبيه! بل الآكد له أن يترك أخاه على عهده ويبايع لابنه جعفر بعده ، ثمّ إذا بلغ ابنه جعفر مبلغ الرجال والهادي حيّ سأل أخاه هارون أن يقدّمه على نفسه! فرضى بذلك الهادي.
__________________
(١) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٤٠٥ ـ ٤٠٦.
(٢) مروج الذهب ٣ : ٣٣٤.