ولكنّه بعد ذلك عزم على خلع أخيه هارون رضي أم كره. فأشار البرمكي على هارون : أنّ قضية مولد الهادي قصيرة على ما أوجبه مولده! فعليه أن يستأذن الهادي للخروج للصيد فيطيل اشتغاله به ، ففعل وسار إلى بلاد الأنبار وهيت على شاطئ الفرات. وكتب الهادي إليه بالقدوم فتعلل الرشيد عليه ، فسنح للهادي أن يخرج إليه نحو الحديثة فمرض هناك وثقل في علّته ، فعاد إلى بغداد. ولعلّه هنا حبس يحيى بن خالد البرمكي وأراد قتله ، فمات الهادي بعلّته (١).
وقالوا في سبب وفاته : أنّه لما ولي الخلافة كانت أُمّه الخيزرانة تستبدّ بالأُمور دونه ، وذات يوم كلّمته في أمر لم يجد إلى إجابتها سبيلاً فأبى عليها ، فألحّت عليه فأصرّ على الإباء ، فقالت : إذن والله لا أسألك حاجة أبداً! وقامت غاضبة! فقال لها : ما هذه المواكب التي تغدو وتروح إلى بابك؟! أما لك مصحف يذكّركِ أو مغزل يشغلكِ أو بيت يصونكِ؟! والله لئن بلغني أنّه وقف ببابكِ أحد من قوّادي لأقتلنّه! فانصرفت وهي لا تعقل.
فلمّا مرض أمرت ممرّضاته من جواريها بالجلوس على وجهه ، فمات (٢).
ونقله السيوطي : قال لها : أما لكِ ... أو سبحة! (يشير إلى تداولها يومئذ) ثمّ بعث إليها بطعام مسموم أطعمت منه كلبها فانتثر لحمه! فلمّا وعك أوعزت فغمّوا وجهه بالبساط وجلسوا على جوانبه حتّى مات! وقيل : بل كانت في جوفه قرحة! وقيل : بل كان مع نديم له على جرف فيه أُصول قصب مقطوع فدفع عليها نديمه وتعلق به النديم فوقعا عليه فدخل القصب في منخريهما فماتا (٣).
__________________
(١) مروج الذهب ٣ : ٣٣٣.
(٢) مختصر تاريخ الدول : ١٢٨ ، وانظر تاريخ ابن الوردي ١ : ١٩٤.
(٣) تاريخ الخلفاء للسيوطي : ٣٣٧ وظاهر أنّ الأخير اختلُق للتبرير!