وكانت داره بالرُميلة ببغداد بين البصريين بها وهم عثمانيون يومئذٍ (١) وإنّما كان له من الأولاد أربع بنات كلّ واحدة تحفظ من شعره أربعمئة قصيدة (٢) فلمّا اعتلّ كتب شعراً ، وقال لغلامه : إذا أنا متّ فأعلم البصريين بموتي ولا أظن يحضرني منهم إلّارجل أو رجلان! فاذهب إلى الكوفيين وأنشدهم هذا :
يا أهل كوفان ؛ إني وامق لكمُ |
|
مذ كنت طفلاً إلى السبعين والكِبر |
كتبت شعري إليكم سائلاً لكم |
|
إذ كنت انقل من داري إلى الحُفر : |
أن لا يليني سواكم أهلُ بصرتنا |
|
الجاحدون! أو الحاوون للبِدر |
ولا السلاطين ؛ إنّ الظلم حالفهم |
|
فعُرفهم صائر لا شك للنّكُر |
وكفّنوني بياضاً لا يخالطه |
|
شيء من الوشي أو من فاخر الحبر |
ولا يشيّعني «النُصّاب» إنّهمُ |
|
شرّ البريّة من أُنثى ومن ذكر |
عسى الإله ينجّيني برحمته |
|
ومدحي الغرر المنجين من سقر |
فلمّا مات فعل الغلام ذلك فأتى منهم خلق عظيم معهم سبعون كفناً ، وكفاهم مؤونته الرشيد بأكفان على يد أخيه علي بن المهدي كفّنه بها ثمّ صلّى عليه ، وهو يعلم بمذهبه فكبّر عليه خمساً! ثمّ أمر بحمله إلى بستان من قطيعة الربيع بن يونس الحاجب بالكرخ فدفن بها ، ووقف ابن المهدي عليه حتّى سُطّح قبره على مذهبه ، كل ذلك بأمر الرشيد (٣) ولعلّه لإرهاب الشيعة بأ نّه يعلم بهم!
وكان الرشيد قد رُفع إليه أنّ السيّد «رافضي» فأحضره وسأله فقال : إن كان «الرافضي» هو الذي يحبّ بني هاشم ويقدّمهم على سائر الخلق
__________________
(١) الأغاني ٧ : ٢٩٧.
(٢) طبقات الشعراء لابن المعتز : ٣٦ ، كما في الغدير ٣ : ٣٤٩.
(٣) انظر الغدير ٣ : ٣٨٦ ـ ٣٨٧ عن الأغاني وأخبار المرزباني الخراساني.