الأيام عن الكلام فإنّ الأمر شديد! فكفّ عن الكلام حتى مات المهدي وسكن الأمر. وهنا نقف على بعض أواخر أخباره :
كان في الكوفة في أوائل اهتدائه إلى الامامة ، ثمّ أمّ الواسط مدة ، ويبدو أنه من الواسط رحل إلى البصرة لمناظرة ابن عبيد ، وبعد رواج التجارة والكلام في بغداد انتقل إليها ، وناظر وتاجر بها. وهنا في عهد الكاظم عليهالسلام جعله الوسيط بينه وبين العباسي علي بن يقطين ، فإذا أراد شيئاً من الحوائج لنفسه أو لبعض ما يعنيه من أُموره كتب إلى علي بن يقطين : اشتر لي كذا واتّخذ لي كذا ، وليتولّ ذلك هشام بن الحكم! وأحياناً كان يمده برأس مال لتجارته بلا مشاركة في ربحه ، فمثلاً : سرّح إليه خمسة عشر ألف درهم وقال له : «اعمل بها ، وكُل أرباحها ، وردّ إلينا رأس المال» ففعل هشام ذلك ، وكان يصلّي على أبي الحسن الأول (١).
وفي بعض مواسم الحج قام هشام بحاجة الكاظم عليهالسلام فكتب إليه : جعل الله ثوابك الجنة (٢).
وكان ينوي في أعمال الخير يقول : اللهمّ ما حملت وأعمل من خير ، مفترض وغير مفترض فجميعه عن رسول الله وأهل بيته الصادقين «صلواتك عليه وعليهم» حسب منازلهم عندك ، فتقبّل ذلك منّي وعنهم ، وأعطني من جزيل جزاك به حسب ما أنت أهله (٣)!
وكان يحيى البرمكي يتظاهر بإحياء العلوم وحملته وتقريبهم ، وقد قرّر لهم مجلساً في داره كل يوم أحد يحضره المتكلمون من كل فرقة وملّة فيتناظرون في أديانهم ويشاركهم يحيى أحياناً.
__________________
(١) اختيار معرفة الرجال : ٢٦٩ ، الحديث ٤٨٤ عن الحسن بن علي بن يقطين.
(٢) اختيار معرفة الرجال : ٢٧٠ ، الحديث ٤٨٧.
(٣) اختيار معرفة الرجال : ٢٧٤ ، الحديث ٤٩٢.