على خطيئته ويدلّاه على ظلمه لهما في الميراث ، وإنما كان ذلك منهما على حدّ ما كان من الملكين! فاستحسن الرشيد ذلك (١).
فكان يحيى يشرّف أمر هشام عند هارون ويردّه عن إيذائه. ثمّ وجد البرمكي على هشام من طعنه على الفلاسفة ، وكان ميل هارون إلى هشام أحد ما غيّر قلب يحيى على هشام ، وأحبّ أن يغري به هارون ويحمله على قتله! فقال له : يا أمير المؤمنين! إنا كنا نرى أن هشاماً ممن يرى القعود عن الجهاد ، ثمّ استبطنت أمره فإذا هو يزعم أنّ لله في أرضه إماماً غيرك مفترض الطاعة! قال الرشيد : سبحان الله! قال يحيى : نعم ؛ ويزعم أنه لو أمره بالخروج لخرج!
فقال هارون ليحيى : فاجمع عندك المتكلمين وأكون أنا من وراء الستر بيني وبينهم لا يفطنون بي فلا يمتنع كل واحد منهم أن يبدي صفحته لهيبتي. فوجّه يحيى فأشحن المجلس من المتكلمين منهم : ضرار بن عمرو ، وسليمان بن جرير ، وعبد الله بن يزيد الإباضي ، ورأس الجالوت (الكاثوليك) وموبدان موبد (كبير موابدة المجوس) فتساءلوا وتناظروا وتناهوا إلى مشادّة في كلامهم كل يقول لصاحبه : لم تُجب ، ويقول هو : قد أجبت. فقال لهم يحيى : أترضون بهشام حكماً فيما بينكم؟ قالوا : أيها الوزير ، قد رضينا ولكن أتى لنا به وهو عليل! قال : فأنا أوجه إليه فأسأله أن يتجشّم المجيء ، فوجّه إليه فأحضره ، فأخبره كل فريق منهم بموضع مقطعه ، فحكم لبعض على بعض.
ثمّ قال يحيى لهشام : إن رأيت أن تبين عن فساد اختيار الناس لإمام ، وأن الإمامة في آل الرسول صلىاللهعليهوآله دون غيرهم. فاعتذر هشام فألحّ يحيى عليه ، فبدأ هشام الكلام وساق ذكر ذلك وأطال.
__________________
(١) الفصول المختارة : ٤٩ ، ٥٠.