فلما فرغ من الكلام في فساد اختيار الناس للإمام ، قال يحيى لسليمان بن جرير : سل أبا محمد عن شيء من هذا الباب ، فقال سليمان لهشام : أخبرني هل كان علي بن أبي طالب مفروض الطاعة؟ قال : نعم. قال : فإن أمرك الذي بعده (اليوم) بالخروج معه بالسيف أفتفعل وتطيعه؟ قال : لا يأمرني ، قال : فإن أمرك ، وأصرّ وألحّ على ذلك ، فقال هشام : هل هو إلّاأن أقول لك : إن أمرني فعلت فتنقطع ولا تكون عندك زيادة. وأنا أعلم ما تحت قولي وما يؤول إليه جوابي! فتمعّر وجه هارون (١).
وكان جعفر بن يحيى البرمكي جالساً مع الرشيد خلف الستر ، فقال له هارون : ويحك يا جعفر من يعني بهذا؟ قال : يا أمير المؤمنين! يعني به موسى بن جعفر! قال : ما عنى بها غير أهلها! ثمّ عضّ على شفته وقال : أمثل هذا حيّ ويبقى لي ملكي ساعة واحدة؟! فوالله للسان هذا أبلغ في قلوب الناس من مئة ألف سيف! وعلم يحيى أن هشاماً قد حضره أجله! فدخل الستر ، فقال هارون ليحيى : يا عباسي ؛ ويحك مِن هذا الرجل (إن فاتك) فقال : يا أمير المؤمنين! حسبك! تُكفى تكفى! ثمّ خرج إلى هشام فغمزه ، فعلم هشام أنه قد حضر أجله ؛ فقام يريهم أنه يقضى حاجة فلبس نعليه وانسلّ ومرّ ببيته وأمرهم بالتوارى ، وهرب (٢).
وقال صاحبه يونس بن عبد الرحمن : بلغنا أن هارون قال ليحيى : شدّ يدك على هذا وأصحابه! (ثمّ حجّ) وبعث إلى موسى عليهالسلام فحبسه ، فكان هذا من سبب حبسه مع أسباب أُخرى. ثمّ صار هشام إلى الكوفة (٣).
__________________
(١) اختيار معرفة الرجال : ٢٥٨ ـ ٢٦٢ ، الحديث ٤٧٧.
(٢) كمال الدين : ٣٦٨.
(٣) اختيار معرفة الرجال : ٢٦٢ ، الحديث ٤٧٧.