لولايته ، وقضى نوح بالمال كلّه للبنت ، فلمّا بلغ ذلك إلى المهدي دعاه وسأله : ما حملك على ما صنعت؟ فقال : قضيت بقضاء علي بن أبي طالب (عليهالسلام) فإنّه قضى للبنت بالمال كلّه فقيل له في ذلك فقال : أعطيتها النصف بفريضة الله ، وأعطيتها الآخر بقوله تعالى : (وَأُوْلُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ (١)) سل القضاة والفقهاء عن هذا فإن كنت كاذباً فافعل ما شئت!
فأمر المهدي بإحضار جماعة من فقهاء الكوفة من القضاة وغيرهم منهم ابن أبي ليلى وشريك فأحضروا إلى بغداد فسألهم عن ذلك فرووا ذلك عن علي بن أبي طالب بأسانيد كثيرة. فقال المهدي لنوح : قد أجزت حكمك في هذه المرة فإن عُدت قتلتك (٢)!
كان ذلك على عهد محمّد المهدي العباسي ، ثمّ ملك موسى الهادي ومات وعلى الكوفة موسى بن عيسى العباسي ، فلمّا ملك الرشيد أرسله إلى مصر وولّى ابنه العباس بن موسى على الكوفة (٣) ونوح بن درّاج تلك الأيام على القضاء ، فكأ نّه عاد لمثل ما سبق منه. واجتمع لدى الوالي العباس بن موسى : هاشم الصيداني وإسماعيل بن حمّاد بن أبي حنيفة وعليّ بن ظبيان وأبوبكر بن عياش بن سالم المقرئ ، فقال العباس لابن عياش : يا أبا بكر ، أما ترى ما أحدث نوح في القضاء؟! إنّه طرح العُصبة.
فقال ابن عياش : وما عسى أن أقول لرجل قضى بالكتاب والسنة! وكان العباس مستنداً فاستوى جالساً وقال : وكيف قضى بالكتاب والسنة؟!
__________________
(١) الأنفال : ٧٥.
(٢) الملاحم والفتن لابن طاووس : ١٨٨ عن المرزباني الخراساني.
(٣) تاريخ خليفة : ٣٠٦.