وأخذ يوبّخه يقول له : يا محمّد بن علي! لا يزال الرجل منكم يشقّ عصا المسلمين ويدعو إلى نفسه ويزعم أنّه الإمام! سفهاً وقلّة علم!
ولمّا سكت أقبل عليه من القوم الرجل يوبّخه ثمّ آخر حتّى آخرهم.
فلمّا سكت القوم نهض عليهالسلام قائماً ثمّ قال لهم : أيّها الناس! أين تذهبون وأين يراد بكم؟! بنا هدى الله أوّلكم ، وبنا يختم آخركم! فإن يكن لكم ملك معجَّل فإنّ لنا ملكاً مؤجّلاً ، وليس بعد ملكنا ملك ؛ لأنّا أهل العاقبة في قوله سبحانه : (وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (١)).
قال الصادق عليهالسلام : وكان هشام قد نصب غرضاً على رأس رمح وكان أشياخ قومه يرمون ، فنادى أبي قال له : يا محمّد! ارمِ مع أشياخ قومك الغرض! فقال له : إنّي قد كبرت عن الرمي ، فهل ترى أن تعفيني؟ فقال : وحقّ من أعزّنا بدينه ونبيّه محمّد لا أعفيك! ثمّ أومأ إلى شيخ من بني أُمية : أن أعطِه قوسك.
فعند ذلك تناول أبي قوس ذلك الشيخ وتناول منه سهماً ووضعه في كبد القوس ثمّ انتزع ورمى وسط الغرض فنصب سهمه فيه! ثمّ تناول الثانية ورمى الثانية فيه فشقّ فواق السهم السابق إلى نصله ، ثمّ تابع الرمي إلى تسعة أسهم لاحقتها في جوف سابقتها! فلم يتمالك هشام إلّاأن ناداه : أجدت ـ يا أبا جعفر ـ وأنت أرمى العرب والعجم! هلّا زعمت أنّك كبرت عن الرمي! ثمّ أطرق إطراقةً إلى الأرض يتروّى فيها ، وأنا وأبي واقفَين حذاه مواجهَين له! وكان أبي إذا غضب نظر إلى السماء نظر غضبان يرى الناظر الغضب في وجهه ، فلمّا طال وقوفنا غضب أبي ونظر إلى السماء نظر غضبان!
فلمّا رأى هشام ذلك من أبي ناداه : يا محمّد إليَّ! فمشى أبي إلى سرير
__________________
(١) سورة الأعراف : ١٢٥ ، والقصص : ٨٣. والخبر في أُصول الكافي ١ : ٤٧١.