هشام وأنا أتبعه ، فلمّا دنا من هشام قام إليه واعتنقه وأقعده عن يمينه ، ثمّ اعتنقني وأقعدني على يمين أبي ، ثمّ أقبل بوجهه على أبي وقال له : يا محمّد! لا تزال قريش تسود العرب والعجم مادام فيها مثلك! لله درّك! مَن علّمك هذا الرمي وفي كم تعلّمته؟! فقال أبي : قد علمتُ أنّ أهل المدينة يتعاطونه في أيّام حداثتي فتعاطيته ثمّ تركته ، فلمّا أراد أمير المؤمنين! منّي ذلك عدت فيه فقال : ما رأيت قطّ مثل هذا الرميّ مذ عقلت! وما أظن أن يكون في الأرض أحد يرمي مثل هذا الرّمي! ثمّ سأله : أيرمي جعفر مثل رميك؟
فقال أبي : إنّا نحن نتوارث الكمال والتمام اللذين أنزلهما الله على نبيّه صلىاللهعليهوآله في قوله : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً (١)) والأرض لا تخلو ممّن يُكمل هذه الأُمور التي يقصر غيرنا عنها!
وكانت علامة غضب هشام أنّه إذا غضب احمرّ وجهه وانقلبت عينه اليمنى فاحولّت (أي اشتدّ الحَول فيها) فلمّا سمع ذلك من أبي صار كذلك فأطرق هنيهة ثمّ رفع رأسه وقال لأبي : ألسنا بني عبد مُناف نسبنا ونسبكم واحد؟!
فقال أبي : نحن كذلك! ولكنّ الله جلّ ثناؤه اختصّنا من مكنون سرّه وخالص علمه بما لم يخصّ به أحداً غيرنا!
فقال : أليس الله جلّ ثناؤه بعث محمّداً صلىاللهعليهوآله من شجرة عبد مناف إلى الناس كافة : أبيضها وأسودها وأحمرها؟ فمن أين ورثتم ما ليس لغيركم ورسول الله مبعوث إلى الناس كافّة؟ وذلك قول الله تبارك وتعالى : (وَللهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ (٢)) فمن أين ورثتم هذا العلم ، وليس بعد محمّد نبيّ ولا أنتم أنبياء؟!
__________________
(١) المائدة : ٣.
(٢) آل عمران : ١٨٠.