محمّد بن علي وجعفر بن محمّد الكذّابَين فيما يُظهران من الإسلام ؛ وردا عليَّ ، فلمّا صرفتهما إلى المدينة مالا إلى القسّيسين والرُّهبان من كفّار النصارى! وأظهرا لهم دينهم ومرقا من الإسلام إلى دين النصارى ، وتقرّبا إليهم بالنصرانية! فكرهت أن انكّل بهما لقرابتهما! فإذا قرأت كتابي هذا فنادِ في الناس : برئت الذمّة ممّن يشاريهما أو يبايعهما أو يصافحهما أو يسلّم عليهما! فإنّهما قد ارتدّا عن الإسلام! ورأى أمير المؤمنين أن يقتلهما شرّ قِتلة!
فلمّا شارفنا مدينة مَدين قدّم أبي غلمانه ليرتادوا لنا منزلاً ويشروا لدوابّنا علفاً ولنا طعاماً ، فلمّا قرب غلماننا من باب المدينة أغلقوا الباب في وجوهنا! وشتمونا وقالوا : لا نزول لكم عندنا ولا شراء ولا بيع! يا كفّار يا مشركين! يا مرتدّين يا كذّابين! يا شرّ الخلائق أجمعين! ووقف غلماننا على الباب.
فلمّا انتهينا إليهم كلّمهم أبي وقال لهم بليّن القول : اتّقوا الله ولا تغلطوا ، فلسنا كما بلغكم ، ولا نحن كما تقولون. فأسمَعونا كلماتهم السابقة! فقال لهم : فهبنا كما تقولون افتحوا الباب وشارونا وبايعونا كما تشارون وتبايعون اليهود والنصارى! فقالوا : أنتم شرّ من اليهود والنصارى والمجوس! لأنّ هؤلاء يؤدّون الجزية وأنتم ما تؤدّون! فقال لهم أبي : فافتحوا لنا الباب وخذوا منّا الجزية كما تأخذون منهم! فقالوا : لا نفتح ، ولا كرامة لكم! حتّى تموتوا على ظهور دوابّكم جياعاً وتموت دوابّكم تحتكم!
فثنى أبي رجله عن سرجه ونزل وقال لي : يا جعفر مكانك لا تبرح. ثمّ صعد الجبل المطلّ على مدينة مَدين ، وأهل مدين ينظرون إليه ما يصنع. فلمّا صار في أعلاه استقبل بوجهه وجسده المدينة ثمّ وضع إصبعيه في اذنه ثمّ نادى بأعلى صوته : (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ* وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا