نعم ربما يدعى نهوض العمومات الناهية عن العمل بغير العلم بالردع عن السيرة المذكورة ، حيث لا إشكال في حجية الظهور في العموم كسائر الظهورات ولو ببناء العقلاء الذي لم يثبت الردع عنه ، بل ثبت عدم الردع عنه وإمضاؤه ، كما سبق ، ومع حجيته ينهض بالردع في المقام ، فيسقط الخبر عن الحجية في رتبة متأخرة عن العموم. وقد حاول غير واحد المنع من نهوض العمومات بذلك بوجوه ضعيفة قدت ظهر بالتأمل.
والعمدة في ذلك : أن استحكام السيرة على العمل بالخبر موجب للغفلة عن شمول العمومات له ، فلا يترتب على العمومات الارتداع ، ولا يتأتى بها الغرض ، بل لا بد من ردع خاص رافع للعلة. واللازم كثرته وتأكيده بالنحو المناسب لاستحكام السيرة ، بل يتعين كونه أكثر وآكد من الردع عن مثل القياس الذي عرف العمل به عن جماعة خاصة من العامة ، فعدم ورود ذلك والاقتصار على العمومات شاهد بعدم الردع عن السيرة في المقام ، بل سبق أنه يستفاد إمضاؤها من جملة من الأدلة المتقدمة.
على أنه سبق عند الكلام في أصالة عدم الحجية المنع من تمامية العمومات المذكورة. ومن هنا لا ينبغي الإشكال في الرجوع للسيرة ، بل هي أهم الأدلة في المقام ، لنهوضها بتحديد ما هو الحجة ، بخلاف أكثر الأدلة الأخر ، حيث لا إطلاق لها ينهض بذلك ، كما تقدم.
الرابع من الأدلة التي يستدل بها على حجية الخبر : دليل العقل. وهو من وجوه ، بعضها يختص بإثبات حجية خبر الواحد ، وبعضها يقتضي حجية الظن مطلقا أو في الجملة ، فيدخل فيه الخبر ، أو يختص به بضميمة مقدمة خارجية ، وهو كونه متيقن الحجية من بين الظنون.
أما القسم الثاني فيأتي الكلام فيه في فصل مستقل إن شاء الله تعالى.