المبحث الثاني
في حجية الظواهر وإن لم تفد الظن ، أو ظن بخلافها
قال شيخنا الأعظم قدسسره : «ربما يجري على لسان بعض متأخري المتأخرين من المعاصرين عدم الدليل على حجية الظواهر إذا لم تفد الظن ، أو إذا حصل الظن الغير المعتبر على خلافها. لكن الإنصاف أنه مخالف لطريقة أرباب اللسان في كل مكان».
وما ذكره متين جدا بلحاظ مرتكزاتهم فيما هو محل الكلام من الحجية المتقومة بالتعذير والتنجيز في مقام التكليف أو الخروج عن عهدته.
نعم قد يخالف سيرتهم عند الاهتمام بتحصيل الواقع ، حيث لا يكتفون معه بالظهور مع عدم حصول الظن منه ، فضلا عما لو حصل الظن بخلافه ، بل قد لا يكتفون بالظن ويستزيدون من القرائن حتى يحصل الاطمئنان أو العلم حسب أهمية الواقع المفروض اهتمامهم به. وهو خارج عن محل الكلام ، كما نبه له في الجملة بعض مشايخنا قدسسره.
ولعل منشأ اكتفائهم بالظهور في محل الكلام أن إناطة حجية الظهور بالظن وجودا أو عدما يستلزم عدم انضباط موارد الحجة ، ليتكل عليها المتكلم ، لاختلاف الظن الشخصي بحسب الأحوال والأشخاص كثيرا ، وذلك يوجب اضطراب باب التفاهم ، بخلاف ما لو كانت تابعة للظهور فإنه أيسر ضبطا لتبعيته لجهات عامة مشتركة بين أهل اللسان غالبا.
نعم لا يبعد توقف العقلاء عن الاعتماد على الظهور مع وجود أمارات عرفية ـ وإن لم تكن معتبرة في نفسها ـ توجب الوثوق بوجود قرائن ترفع بها اليد عن أصالة عدم القرينة أو أصالة الجهة أو نحوهما مما تقدم ابتناء العمل بالظهور عليه ، بحيث يكون الظهور موردا للريب عرفا.