الأمر السادس : اشتهر في كلام المتأخرين الفرق بين الأمارة والأصل في الحجية في لازم المؤدى ، كما أشرنا إليه آنفا.
وقد تصدى غير واحد لبيان وجه الفرق بينهما في ذلك. فقد ذكر بعض الأعاظم قدسسره لذلك وجها طويلا أسهب في ذكر مقدماته. وحاصله : أن مفاد أدلة اعتبار الأمارة تتميم كشفها وجعلها علما تعبدا بالإضافة إلى المؤدى ، فتترتب عليها آثار العلم به ، فكما كان العلم الحقيقي بشيء مثبتا لآثاره ولوازمه وملزوماته مهما تعددت الوسائط ، فكذلك قيام الأمارة عليه. بخلاف الأصل فإن أدلة اعتباره لا تقتضي إلا التعبد بمؤداه ، دون لوازمه ، من دون أن تقتضي تتميم كشفه وجعله علما ، ليشارك العلم في ذلك.
وفيه أولا : أنه ليس مفاد دليل اعتبار الأمارة تتميم كشفها ولا جعلها علما تعبدا ، بل مجرد جعل حجيتها ، كما تقدم في مقدمة علم الأصول ، ويأتي في مباحث التعارض عند الكلام في وجه تقديم الطرق على الأصول إن شاء الله تعالى.
وثانيا : أن إثبات العلم بالشيء لجميع آثاره ولوازمه إنما هو بضميمة التلازم خارجا بين العلم بالشيء والعلم بلازمه مع الالتفات للملازمة ، والتلازم المذكور مختص بالعلم الحقيقي ، دون العلم التعبدي المدعى ، بل هو تابع لدليل التعبد ، فمع فرض اختصاصه بالمؤدى لا وجه للتعدي للازمه.
ولذا لا إشكال في إمكان التفكيك في حجية الأمارة بين المتلازمات ، لاختصاص دليل الحجية ببعضها ، كما في الظن بالقبلة الذي لا يلزم من حجيته حجية الظن بالوقت وإن استلزمه ، وكما في الإقرار.
أما المحقق الخراساني قدسسره فقد ذكر أن الأمارة لما كانت مبنية على الحكاية فهي كما تحكي عن المؤدى تحكي عن أطرافه من ملزومه ولوازمه وآثاره ،