ومن الظاهر أن العنوان المذكور ليس موضوعا بنفسه للحلية شرعا ، كي يشهد لما ذكره من تعليق الحلية على أمر وجودي ، بل هو منتزع من الأسباب المختلفة المأخوذة بعناوينها الخاصة في موضوع الحلية ، من دون أن ينافي كون بعضها عدميا. كما أنه لم يتعرض للدماء.
واللازم فيها وفي الأموال النظر في أسباب تحليلها وتحريمها ، فمع إحراز أحد الأمرين بأصل أو غيره يتعين العمل عليه ، ومع عدمه فمقتضى القاعدة الرجوع للأصول العامة الجارية في الحكم من استصحاب أو براءة أو غيرهما ، وعدم الخروج عن ذلك إلا بدليل خاص من إجماع أو ارتكاز أو غيرهما. واستيفاء ذلك في الفروع المختلفة لا يسعه المقام ، بل يوكل للفقه.
التنبيه الرابع : لا ريب في حسن الاحتياط في الشبهة البدوية عقلا ـ وإن لم يكن لازما كما تقدم ـ لأنه نحو من الانقياد للمولى ومظهر من مظاهر العبودية له ، كما تشهد بذلك المرتكزات العقلية والعرفية. وهو موجب لاستحقاق الثواب ، لا بمعنى لزومه على المولى ، لأنه لا يجب حتى مع امتثال التكليف المنجز ، بل بمعنى أهلية المحتاط والمنقاد للتفضل بالثواب المبني على الشكر والجزاء ، نظير أهلية المطيع للتكاليف المنجزة ، وليس إحسان المولى إليه ابتداء تفضل ، كالابتداء به على من لم يعمل شيئا أو كان عاصيا ، كما تقدم في لواحق مبحث التجري.
ويناسب ما ذكرنا من حسن الاحتياط نصوص قاعدة التسامح في أدلة السنن الآتية ، لقوة ظهورها في الإرشاد للاحتياط وحسنه في نفسه ، وإن كان ما تضمنته من حصول الثواب الموعود بنفسه مما لا يحكم به العقل ، وإنما هو تفضل منه تعالى بعد أهلية المحتاط له ، لما سبق. ولذا جرت سيرة الفقهاء ـ خصوصا في العصور المتأخرة ـ على التنبيه للاحتياط ، بل الحثّ عليه في موارد الفتوى بما يقتضي السعة.