الأمر الثاني : أشرنا آنفا إلى كثرة الأقوال في الاستصحاب وتعدد التفصيلات فيه. وتلك التفصيلات تبتني .. تارة : على الكلام في عموم دليل الاستصحاب وخصوصه وأخرى : على الكلام في تحقق أركانه وشروطه في بعض الموارد. ويأتي الكلام في القسم الثاني في المقام الثالث.
أما القسم الأول فالمناسب بحثه في هذا المقام ، لابتنائه على الكلام في مفاد أدلة الاستصحاب. وهو يختص بالتفصيل بين صورتي الشك في الرافع ، فيجري الاستصحاب والشك في المقتضي ، فلا يجري. وقد اختاره جماعة ، وذكر شيخنا الأعظم قدسسره أن الذي فتح باب ذلك هو المحقق الخونساري في شرح الدروس.
والذي يظهر من شيخنا الأعظم قدسسره أن المعيار في التفصيل المذكور إحراز استعداد المستصحب للبقاء لو لا الرافع ، بحيث يستند احتمال ارتفاع المتيقن لاحتمال حصول الرافع ، سواء أحرز المقتضي له ، كما لو علم بعزم الفاعل على الاستمرار في الفعل واحتمل حصول المزاحم المانع منه ، أم لم يكن محتاجا للمقتضي ، كالعدم الذي له استعداد الاستمرار في نفسه لو لا حدوث مقتضي الوجود. ويشهد بذلك تعبيره عن التفصيل المذكور بالتفصيل بين الشك في الرافع وعدمه. ويناسبه ظهور مفروغيته عن جريان الاستصحاب في العدميات وفي الأحكام الوضعية كالملكية والطهارة والنجاسة ، مع وضوح أنها كالأعدام لا يحتاج بقاؤها للمقتضي ، بل يكفي فيه عدم الرافع.
نعم قد لا يناسب ذلك ما تكرر في كلامهم من لزوم إحراز المقتضي في جريان الاستصحاب ، ولا بعض ما يظهر من وجوه استدلالهم على ما يأتي إن شاء الله تعالى. بل ذكر شيخنا الأعظم قدسسره أن حصول ملاك التفصيل في العدميات محتاج إلى تأمل ، وإن لم يستبعد حصوله. لكن لا مجال للخروج بذلك عما تقدم ، فلا بد من حمل المقتضي في كلامهم على ما يعم القابلية المذكورة.