التنبيه الثاني : قد يعلم بوجوب شيء وبسقوطه بفعل شيء آخر ، ويتردد الأمر في ذلك الآخر بين كونه عدلا للواجب ، بأن يكونا واجبين تخييرا ، وكونه مسقطا له مع وجوب ذلك الواجب تعيينا ، نظير الطلاق المسقط لوجوب الإنفاق. ومن الظاهر أنه لا أثر للشك المذكور مع القدرة على ذلك الواجب ، للعلم بوجوبه وإجزائه وإجزاء الآخر عنه على كل حال. وإنما يظهر الأثر عند تعذر ذلك الواجب ، حيث يتعين فعل الآخر لو كان عدلا له مع كون الوجوب تخييريا ، ولا يجب فعله إذا كان مسقطا له مع كون وجوبه تعيينيا ، لعدم وجوب فعل المسقط ، كما تقدم في التنبيه الثالث من تنبيهات مبحث تقسيم الواجب إلى تعييني وتخييري.
ولا ينبغي الإشكال بأن المرجع في ذلك البراءة ، لعدم المنجز لوجوب ذلك المسقط الذي يحتمل كونه عدلا للواجب المتعذر.
هذا وقد يدعى أنه على ذلك يبتني الكلام في مسألة وجوب الائتمام على من عجز عن القراءة ، لتردد الائتمام بين كونه مستحبا مسقطا للقراءة مع وجوبها تعيينا ، وكونه واجبا مخيرا بينه وبين الصلاة فرادى مع القراءة ، فيجب بتعذرها.
لكن المبنى المذكور يختص بالواجبات الاستقلالية التي يكون تعذرها موجبا لسقوط التكليف بها ، بحيث لا يتحقق الامتثال مع الاقتصار على فعل المسقط ، كالإنفاق بالإضافة للطلاق ، دون مثل القراءة مما يجب ضمنا ، ولا يكون تعذره موجبا لسقوط التكليف بالمركب ، بل يبقى التكليف به ويمتثل بالائتمام ، فإن إسقاط الائتمام للقراءة ـ إما لكونه رافعا لموضوعها ، أو لتنزيل قراءة الإمام منزلة قراءة المأموم ـ لا ينافي كون الصلاة مأموما من أفراد الصلاة الاختيارية التامة الصالحة للامتثال ، بل من أفضلها ، ولذا لا ريب في وجوب الائتمام لو فرض عدم مشروعية صلاة الفرادى من دون قراءة ، أو تعذرت مع القدرة على القراءة.