الفصل الرابع
في استصحاب الأمور التدريجية
وهي الأمور التي توجد تدريجا بتعاقب أجزائها ، بحيث لا يوجد جزء منها إلا بعد انعدام جزء آخر ، كالكلام والقراءة والسير والحركة والأكل وجريان الماء وغيرها.
وقد يستشكل في جريان الاستصحاب فيها بعدم اجتماع ركنيه فيها ، لأن ما علم حدوثه سابقا من أجزائها معلوم الارتفاع ، وغيره مشكوك الحدوث ، فالأصل عدمه ، ولا يمكن فيها فرض أمر واحد معلوم الحدوث مشكوك البقاء.
لكنه يندفع بأن بقاء كل شيء بحسبه ، وبقاء الأمور التدريجية إنما هو بتعاقب أجزائها ، حيث يصح عرفا نسبة الوجود للأمر التدريجي بما أنه أمر واحد بلحاظ تعاقب أجزائه بالنحو المذكور. فإذا كان موضوع الأثر هو الأمر المذكور بما له من وحدة اعتبارية ، الذي لا وجود له إلا بهذا النحو ، تعين جريان استصحابه ، لتمامية ركنيه فيه بلحاظ الوحدة المذكورة ، وإن لم يتم ركناه في كل جزء بنفسه. وليس ذلك مبنيا على التسامح العرفي في البقاء ، الذي سبق منا عدم التعويل عليه ، بل هو مبني على البقاء الحقيقي لما يفهم من الأدلة أنه موضوع الأثر ، حيث لا بقاء له إلا بهذا النحو.
ومنه يظهر عدم الفرق بين ما تكون وحدته عرفا باتصال أجزائه حقيقة وعدم تخلل العدم بينها أصلا ـ كجريان الماء من الميزاب ـ وما تكون وحدته بتقارب أجزائه في الوجود مع تخلل العدم بينها دقة ـ كالكلام وتقاطر الماء والمطر ـ لأن المعيار احتمال بقاء موضوع الأثر العملي بالنحو الذي من شأنه أن