الوجه الأول : ما ذكره جماعة من القدماء والمتأخرين من أنه لا بد من رفع اليد عن المفهوم بعموم التعليل في ذيلها المقتضي لعدم الإقدام مع الجهل فرارا من الوقوع في أمر يحذر منه ، ولا مانع من رفع اليد عن المفهوم بالقرينة المنفصلة ، فضلا عن المتصلة المانعة من انعقاد ظهور الكلام فيه بدوا.
وقد يدفع ذلك بوجوه «أولها» : ما ذكره بعض المعاصرين رحمهالله في أصوله في تقريب معنى الآية من منع سوق الذيل للتعليل ، لاستلزامه تقدير مفعول لقوله : (فَتَبَيَّنُوا) وتقدير ما يدل على التعليل في الذيل ، فيكون التقدير هكذا :
إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا صدقه لئلا تصيبوا قوما بجهالة ... ونحو ذلك ، وهو تكلف مخالف للأصل. فالأولى جعل الذيل نفسه مفعولا للتبين ـ مع تضمن التبين معنى التثبت ـ قال : «فيكون معناه : فتثبتوا واحذروا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين». فلا يكون للذيل عموم ينهض برفع اليد عن المفهوم.
وفيه : أنه لا مجال لكون الذيل مفعولا للتبين بعد تقييد الإصابة بالجهالة التي هي من الأمور الوجدانية غير القابلة للجهل ، والتبين إنما يتعلق بالأمور الواقعية القابلة للجهل ، فلا يتم ما ذكره إلا بقطع التبين عن الإصابة وتقدير متعلق لها يناسب المقام ، كالحذر ، إما بتقدير فعل الحذر ـ كما ذكره في كلامه ـ أو بتصيده من التبين بجعل التبين متضمنا معناه ، وكلاهما خلاف الأصل كالتقدير اللازم من الحمل على التعليل.
بل لعل الثاني أولى ، لاشتهار حذف عامل «أن» خصوصا في مقام التعليل الوارد مورد الحذر ، كما في قوله تعالى : (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا)(١) ، وقوله تعالى : (وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا
__________________
(١) سورة النساء الآية : ١٧٦.