يتكاذب دليلاهما إثباتا ، لعدم قيام الدليل على فعلية كل منهما في مورده ، بل على مجرد تمامية ملاكيهما ، ولو لكونه مقتضى الجمع بين الدليلين عرفا.
الثاني : أن التزاحم يبتني على فرض تمامية ملاك كل من الحكمين ، بحيث يقتضي تشريع كل منهما وامتثاله لو لا التزاحم ، والعجز عن الجمع بينهما في مقام الامتثال. بخلاف التعارض ، فإنه يجتمع مع فرض العلم بعدم ثبوت أحد الملاكين ، أو الشك في ثبوت أحدهما أو كليهما ، لفقد الدليل عليه بعد تكاذب الدليلين في الحكم المسقط لهما عن الحجية فيه وفي الملاك تبعا له ، بناء على ما سبق من سقوط المتعارضين عن الحجية في لازم مؤداهما.
الثالث : أنه لا بد في التزاحم من فرض اقتضاء كل من الحكمين صرف القدرة لامتثاله بنحو ينافي مقتضى الآخر عملا. ولذا يختص بالأحكام الاقتضائية مع العجز عن الجمع بينها في الامتثال.
أما التعارض فلا يعتبر فيه إلا التنافي بين الحكمين ، بنحو يمنع من جعلهما معا ، وإن لم يكن امتثال أحدهما منافيا لمقتضى الآخر ، لعدم كونه اقتضائيا ، كالوجوب والإباحة ، أو لعدم تنافي مقتضاهما ، كالوجوب والاستحباب. بل وإن لم يقتض الحكمان العمل والامتثال ، كالحكمين الوضعيين.
بقي في المقام أمران :
الأول : أنه قد يدعى أن ما تقدم من معيار التزاحم من الاكتفاء بإحراز الملاكين لا يناسب ما هو المعلوم من أن الملاك بنفسه لا يصلح للإلزام عقلا ما لم يترتب عليه جعل التكليف من قبل المولى ، ولذا لا يجب عقلا إطاعة الأوامر والنواهي الواردة بداعي الإرشاد للمصالح والمفاسد الواقعية ، وينحصر وجوب الإطاعة بالأوامر والنواهي المولوية.