جملة منها على تدقيقات وتكلفات لا ينبغي صرف الوقت فيها. ومنه سبحانه نستمد العون والتوفيق والتأييد والتسديد. وهو حسبنا ونعم الوكيل.
الآية الثانية مما استدل به على حجية خبر الواحد : قوله تعالى : (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)(١) ، فإنها ظاهرة في وجوب الحذر تبعا لوجوب الإنذار ، لكونه غاية له بمقتضى كلمة «لعل» المسوقة مساق التعليل ، ومرجع وجوب الحذر إلى حجية قول المنذر في الأحكام الإلزامية القابلة للحذر ، ويتم في غيرها بعدم الفصل ، بل بفهم عدم الخصوصية بعد عدم ظهورها في تشريع وجوب الحذر بعد الإنذار تعبدا تأسيسا من الشارع ، بل في ترتبه طبعا ، وذلك إنما يكون بلحاظ السيرة العقلائية المرتكز مضمونها في الأذهان ، فتكون ظاهرة في إمضائها والجري عليها ، ومن الظاهر عدم خصوصية الأحكام الإلزامية في السيرة المذكورة.
وبذلك يظهر اختصاص الآية بالخبر الموثوق به على ما يأتي تفصيله ، لاختصاص السيرة به. ومعه لا حاجة إلى تكلف الدليل على التخصيص.
كما يندفع بذلك أيضا توهم أن وجوب الحذر كما يكون لحجية الخبر يكون للزوم العمل على طبقه احتياطا ، لتنجز الواقع المحتمل به ، فلا تدل الآية على حجية الخبر ، بل على مجرد منجزيته للتكليف المحتمل ، ولا موضوع لذلك في الخبر الذي يتضمن حكما غير إلزامي ، ليتعدى له بعدم الفصل أو بفهم عدم الخصوصية.
وجه الاندفاع : أن الأمر الارتكازي الذي يظهر من الآية إمضاؤه ليس هو مجرد لزوم موافقة الخبر ولو احتياطا ، بل لزوم الأخذ به تبعا لحجيته ، مهما كان
__________________
(١) سورة التوبة الآية : ١٢٢.