الواقعية ولم يلزم بالتحفظ عليها. كما أن الأدلة الشرعية المتقدمة مختصة بذلك ، على ما سبق عند التعرض لها.
بل يظهر من شيخنا الأعظم قدسسره أن العقاب مع قيام الدليل على وجوب الاحتياط يكون عقابا على ما يعلم وورد به البيان ، لأن الدليل المذكور يوجب كون الشيء معلوم الوجوب بعنوان كونه مجهول الحكم ، وإن لم يكن معلوم الوجوب بعنوانه الأولي. لكنه يشكل بأن وجوب الاحتياط وإن كان معلوما حينئذ إلا أنه وجوب طريقي لا يكون موضوعا للعقاب والثواب ، بل موضوعهما التكليف الواقعي المجهول المنجز بسبب وجوب الاحتياط.
وأما ما ذكره بعض الأعاظم قدسسره من أن وجوب الاحتياط تكليف نفسي. فهو تكلّف مخالف لظاهر الأدلة الآتية المسوقة له جدا.
ومثله ما يظهر من بعض الأعيان المحققين قدسسره من أن دليل وجوب الاحتياط يكون بيانا للتكليف المجهول في فرض وجوده. إذ فيه : أن دليل وجوب الاحتياط لا يصلح لبيان الواقع ، بل هو متمحض في بيان الوظيفة في ظرف الجهل به.
وكيف كان فالأصل الثانوي الشرعي في المقام هو البراءة. وقد استدل عليه بالأدلة الشرعية الثلاثة.
الأول : الكتاب. ويستدل منه بآيتين :
الأولى : قوله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها)(١) بناء على أن المراد بالإيتاء في التكاليف الإعلام بها وإيصالها للمكلف ، فتدل على عدم التكليف بما لم يصل المكلّف ، وحيث لا يراد به عدم فعليته واقعا ، لاستلزامه
__________________
(١) سورة الطلاق الآية : ٧.