المفتي مقام اختيار المستفتي ، بل مقتضى إطلاق أدلة التخيير إناطة الحجية التعيينية لأحد المتعارضين في حق كل أحد باختياره هو غاية الأمر أن المفتي يقوم مقام المستفتي في الفحص عن الأدلة وتحديد مفادها.
ولازم ذلك أن وظيفة المفتي في مورد التعارض تنبيه المستفتي لورود الخبرين المتعارضين في الواقعة ، ثم الحكم بأنه له العمل على طبق كل منهما.
الثالث : أن مقتضى إطلاق أدلة التخيير أنه استمراري ، بمعنى أن للمكلف في كل واقعة أن يختار في مقام العمل خلاف ما اختاره في الواقعة الأخرى ، وليس ابتدائيا ، بحيث ليس له الخروج عما اختاره في الواقعة الأولى.
ودعوى : أن أدلة التخيير واردة لبيان حكم المتحير ، ولا تحير بعد اختيار أحد الخبرين في الواقعة الأولى ، حيث يكون هو الحجة حينئذ ، ويرتفع معه التحير.
مدفوعة أولا : بأنه مبني على رجوع الحجية التخييرية إلى حجية أحد الخبرين تعيينا بشرط اختياره ، وهو لا يخلو عن إشكال ، كما سبق في أوائل الكلام في مقتضى الأصل في المتعارضين.
وثانيا : بأن أدلة التخيير لم يؤخذ فيها التحير ، ليهتم بتحديده وصدقه في المقام ، وإنما أخذ فيها تعارض الخبرين ـ الذي هو موجب للتحير ـ وهو باق حتى بعد اختيار أحدهما في الواقعة الأولى. وارتفاع التحير في تلك الواقعة باختيار أحدهما لا ينافي التحير في غيرها بسبب بقاء التعارض. بل لو كان مرسل الحارث بن المغيرة من أدلة التخيير فقوله عليهالسلام فيه : «فموسع عليك حتى ترى القائم» صريح في استمرار التخيير ما دام لم ير القائم ، وعدم اختصاصه بالواقعة الأولى.