ومن جميع ما تقدم يظهر لزوم الخروج عن إطلاق آية النبأ المقتضي لعدم حجية خبر الفاسق ، ولزوم التبين معه المقتضي لعدم الاكتفاء بالقرائن الخارجية ما لم توجب العلم بصدقه. على أنه لا يبعد قصور الإطلاق المذكور ، أما إذا كان الفاسق ثقة في نفسه فلقصور التعليل بالجهالة والندم عن خبره ، كما تقدم عند الكلام في مفاد التعليل. وإذا لم يكن ثقة في نفسه ، فلقرب كون المراد بالتبين هو العرفي الذي يحصل به الوثوق كما هو الحال في القرائن المذكورة.
ولا أقل من عدم ظهوره في التبين العلمي بسبب التعليل بالندم الذي يكفي في رفعه التبين المذكور.
بقي في المقام أمران :
الأول : لا يبعد اختصاص بناء العقلاء على العمل بخبر الثقة بما إذا لم تقم قرائن تشهد بكذبه وعدم صدوره ،بحيث توجب الريب فيه عرفا ، وإن كان الراوي ثقة في نفسه. وربما يدعى أن ذلك هو الوجه فيما اشتهر من وهن خبر الثقة بإعراض الأصحاب عنه ، حتى قيل : كلما زاد السند قوة زاد وهنا بإعراضهم.
لكن الظاهر عدم كون إعراضهم في ذلك موهنا للسند ، بحيث يرتفع الوثوق معه بصدور الخبر ، بل هو موجب لارتفاع الوثوق بظهوره ، كما تقدم في المبحث الثاني من مباحث حجية الظواهر. وإلا فمن البعيد جدا التشكيك بنحو معتد به في صدور الروايات التي يرويها أعاظم الأصحاب ، ولا سيما مع إيداعها في الكتب المعدة لأخذ الأحكام ونحوها مما يعلم من حال مؤلفيها الاهتمام بتحري خصوص ما يوثق بصدوره.
الثاني : حيث كان من عمدة أدلة المقام سيرة العقلاء على العمل بخبر الثقة والخبر الموثوق بصدوره ، فمن الظاهر أنه لا فرق في السيرة المذكورة بين الروايات وغيرها. وذلك يقتضي عموم حجية خبر الثقة ما لم يثبت الردع عنه