الأمر الثاني : اشتهر في كلماتهم تعريف المسألة الأصولية بأنها القاعدة الممهدة لاستنباط الحكم الشرعي الكلي. والظاهر من الحكم الكلي هو الكبرى الشرعية العملية ، كوجوب الصلاة وحرمة الخمر.
وعليه يشكل انطباق ذلك على الاستصحاب ، لأنه وإن جرى في الشبهات الحكمية ـ كنجاسة الماء الذي يزول تغيره من قبل نفسه ـ إلا أن فعلية موضوعه ـ وهو اليقين والشك ـ إنما تكون في الواقعة الشخصية التي يكون حكمها جزئيا لا كليا ، كما هو الحال في الاستصحاب الجاري في الشبهات الموضوعية.
وليست فتوى المجتهد بالحكم الكلي في ذلك إلا لوجود الضابط العام لتحقق موضوع الاستصحاب في صغرياته غير المنحصرة ، لا لجريان الاستصحاب بالإضافة للقضية الكلية قبل الابتلاء بوقائعها الشخصية. فهو نظير فتواه في موارد الشبهات الموضوعية ذات الضابط العام الشامل لأفراد كثيرة ، كالفتوى بطهارة الماء لو شك في ملاقاته للنجاسة ، حيث يجري الاستصحاب في صغرياتها ، لا في الكبرى ولو لم تكن لها صغرى فعلية. وبالجملة : يشترك الاستصحاب الجاري في الشبهات الحكمية والجاري في الشبهات الموضوعية في أن موضوعهما معا هو الموضوع الخارجي الجزئي ومفادهما هو الحكم الشرعي الجزئي وإنما يفترقان في أن منشأ الشك في الشبهة الحكمية اشتباه حال الجعل الشرعي ، وفي الشبهة الموضوعية اشتباه الأمر الخارجي.
نعم لا مجال للإشكال المذكور بناء على ما سبق منا في أول الكتاب من تعريف علم الأصول بأنه القواعد المقررة ليستعان بها على استنباط الأحكام الشرعية ، والوظائف العملية الشرعية والعقلية في موارد الشبهات الحكمية ، حيث يدخل الاستصحاب في القسم الثاني من التعريف وإن لم يكن مفاده حكما كليا.